إنما السيل اجتماع النقط!!

إنما السيل اجتماع النقط!!
نور رياض عيد

هل سبق أن شرعت في أحد مشاريع حياتك ثم لم تنجزه؟! وهل سبق لك أن بدأت في قراءة أحد الكتب وقرأت منه صفحات وإلى اليوم لم تختمه؟ وهل سجلت في دورة وحضرت محاضراتها الأولى ثم انقطعت؟
ربما يكون حدث ذلك مع كثير منا على الرغم من أن الأيام الأولى للمشروع أو الكتاب أو الدورة كانت مفعمة بالنشاط والحيوية، وقطعت فيها شوطًا لا بأس به.. ومشكلة عدم المواصلة تجعلنا لا نكمل نجاحاتنا، ولا نصل لأهدافنا.
لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب العمل الذي يداوم عليه صاحبه، وليس العمل الكثير المنقطع الذي سرعان ما يعجز صاحبه عن مواصلته، فعن عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟" قَالَتْ: فُلاَنَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: "مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا" وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ كما جاء في صحيح البخاري، وحينما سئل النبي عليه السلام: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ".
إن المشاريع العظيمة تبنى لبنة لبنة، وشيئًا شيئًا، ولا تتم بساعة حماس ولحظات عاطفية، بل تكون بمواصلة العطاء والتعلم، ففي كل يوم شيء جديد، وخطوة بعد خطوة، والجبال من الحصى.. وقد قال الشاعر:
اليوم شيء وغداً مثله *** من نخب العلم التي تلتقطْ
يُحَصِّلُ المرء بها حكمة *** وإنما السيل اجتماع النقطْ

من المهم أن يضع كل واحد منا لنفسه برنامجًا في أي مجال يريد أن يتفوق فيه، فإذا كان المجال الذي اختاره مجالًا علميًا عليه أن يحرص أن يقرأ فيه كل يوم ولو شيئًا يسيرًا أو يشاهد فيه محاضرة، ومن أراد أن يتقدم في مجال رياضي فعليه أن يتمرن في كل يوم وألا ينقطع عن التمرين.
ومن حافظ على القليل اليومي سيجد نفسه بعد مدة قد أنجز إنجازًا جيدًا، وقد وصف الإمام الشوكاني أحد شيوخه بأنه كان لَا يتْرك النسخ يَوْمًا وَاحِدًا وإذا عرض له مانع نسخ شيئًا يسيرًا ولو سطرًا أو سطرين، قال الشوكاني: "فلزمت قَاعِدَته هَذِه فَرَأَيْت في ذَلِك مَنْفَعَة عَظِيمَة".
إن المشاريع الكبرى هي التي تنضج على نار هادئة، ولا يستعجل أصحابها ثمارها، بل يصبرون ولا يستسلمون للملل أو اليأس، فقد مكث الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله أكثر من عشرين سنة في تأليف كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ومكث البخاري ست عشرة سنة في جمع أحاديث صحيحه.

فما أجمل أن يضع كل واحد منا لنفسه هدفًا يريد تحقيقه بعد سنوات، وليسعَ نحو هدفه بخطوات متواصلة ولا يستحقر شيئًا مهما قل، فقد أتم عدد من الناس حفظ القرآن وكانوا يحفظون في اليوم آيات قليلة لكنهم استمروا وداوموا فوصلوا!! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟