الحج على الطريقة الماليزية!!
الحج
على الطريقة الماليزية!!
نور
رياض عيد
لقد
فرض الله الحج على المسلمين لتحقيق مقاصد عظيمة، فهو مدرسة يتعلم فيها المسلم
الكثير من الأخلاق الطيبة مثل الصبر وسعة الصدر والتعايش السلمي مع الكون كله،
والعمل الجماعي والرفق والنظام
واحترام الوقت، وغير ذلك من المعاني الجميلة: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا
جِدَالَ فِي الْحَجِّ"،
فالعبادة في الإسلام ليست طقوسًا مبهمة لا أهداف لها، لكن واقع
الحج اليوم عند بعض الناس لا يحقق هذه المعاني، وهذا يرجع لقلة فهم أسرار الحج،
وعدم الاستعداد الجيد له.
وقد
أحسنت بعض الدول التعامل مع هذه الشعيرة، وجعلت منها فرصة لتهذيب أخلاق مواطنيها
وتزكية نفوسهم، وعلى رأس هذه الدول: ماليزيا، فالحجاج الماليزيون هم الأكثر
انضباطًا والتزامًا على مستوى العالم، ويتساءل بعضنا: ما السر الذي يجعل الحجاج
الماليزيون يقدمون للعالم الإسلامي دروسًا في الترتيب والنظام والانضباط؟ وقد قلبت
صفحات الإنترنت لأتعرف على التجربة الماليزية في الحج التي يشهد لها الجميع
بالنجاح والإبداع، فوجدت أن هذا النجاح مرده لجهد كبير وإتقان وتدقيق على التفاصيل
من المسئولين وليس عبثًا، وليس لكون الماليزيون يختلفون عن بقية المسلمين، وبإمكاننا
تلخيص بعض الروائع في هذه التجربة في النقاط التالية:
· لا يخفى على أحد المبلغ –غير القليل- الذي يحتاجه
المسلم لأداء الحج، وربما يكون توفيره عند بعض الفقراء مشكلة مؤرقة، وحلًا لهذه
المشكلة اقترح البروفيسور الماليزي أونكو عبد العزيز فكرة تأسيس صندوق للحج،
وبالفعل في سنة 1963 أسست حكومة ماليزيا مؤسسة صندوق الحج والتوفير "تابونق
حاجي" وفكرتها قائمة على أن يدخر المسلم الماليزي مبلغًا مَهما كان بسيطًا،
وتقوم المؤسسة بتشغيله بطريقة تتوافق مع الشريعة الإسلامية حتى يتوفر ثمن الحج،
وتبدأ مهام هذه المؤسسة وارتباطها بالحاج الماليزي في كثير من الأحيان منذ ولادته,
حيث تفتح العائلة حساب ادخار للمولود الجديد وتحافظ على أداء أقساطه الشهرية التي
قد لا تتجاوز دولارين أو ثلاثة شهريًا, إلى أن يجتمع له مبلغ يفي بمصاريف حجه إذا
كبر واشتد عوده... وتعمل الحكومة الماليزية على تذليل كل العقبات من أجل تشجيع
المسلمين على الاشتراك بهذا الصندوق.
· لا تقع ماليزيا في خطأ بعض الدول وهو تأخير الإعلان
عن أسماء المقبولين لأداء الفريضة إلى الأشهر أو الأيام الأخيرة، بل يتم الإعلان
عن أسماء من سيتمكنون من أداء المناسك في العام القادم بمجرد انتهاء الموسم
الحالي، وبذلك يبدأ الحجاج الاستعداد والتدريب على أداء المناسك خلال فترة كافية.
· يلتزم الحاج الماليزي بالمشاركة في دورات في مسجد
الحي من قبل متخصصين، ويرفع مستوى الدورات تدريجيًا، ثم يتم التدريب بصورة عملية –وليس
مجرد دروس نظرية- حيث يتم محاكاة عملية الحج الحقيقية، فيؤدي الحجاج المناسك على
مجسمات تشبه الكعبة ويرمون الجمرات ويسعون بين الصفا والمروة، وهذا التدريب يهدف
من خلاله للتدريب الجسدي "تجديد اللياقة" إضافة لتعلم المناسك، وتعقد دورات خاصة لكبار السن وللذين لم ينجحوا
في اختبار الاستيعاب، ولا يُترك الحاج إلا بعد نجاحه، وإذا لم يجتاز الاختبار
يُحرم من الحج ويعاد تأهيله للسنة التالية!!
· الطريقة التي يتم فيها توديع الحجاج، تعطيك حجم
الاهتمام بهذه الرحلة، فإضافة إلى المشاركة الرسمية أحيانًا في وداع الحجاج، فإن
أهل وأحباب كل حاج يقومون بوداعه بطريقة أشبه بالاحتفال، وبعضهم يدعو الجميع
لوليمة قبل السفر.
· لم تترك المؤسسة أي حاجة يمكن أن يحتاج لها الحاج
إلا واهتمت بها، ابتداء من وجود عناصر المؤسسة في استقبال الحجاج بصورة جميلة،
وتدقق المؤسسة في مواصفات المسكن الذي ينزل به ضيوف الرحمن، مع مراعاة قرب السكن
من الحرمين، وهناك كافتيريا في كل سكن للحجاج لشراء الوجبات الخفيفة والمشروبات
لسد حاجاتهم ورمقهم، إضافة لتوزيع وجبتين يوميًا على الحجاج، كما أن هناك لجنة
خاصة لتقديم خدمات تجهيز الجنازات، وعلى الرغم من وجود المستشفيات السعودية لعلاج
جميع المرضى، إلا أن الماليزيين أنشأوا مستشفى ماليزيا في منطقة العزيزية، إضافة لمشفى
آخر لاستقبال الحالات المرضية المتقدمة.
· قد تحدث مشكلة نفسية لبعض الحجاج بسبب صدمة ثقافية
أو بسبب الازدحام، لذلك توفر المؤسسة خدمات استشارية نفسية لعلاج الضغوط النفسية
التي قد يواجهها الحجاج.
· من يعرف السفر يستشعر إشكالية حمل الأموال وتبديلها
إلى عملة أخرى؛ لذلك فإن الحاج الماليزي لا يحتاج لحمل الأموال، لأن هناك خدمة سحب
الأموال من حساب التوفير لبنك الحج الماليزي، والسحب يكون بعملة الريال السعودية.
· أي عمل يخلو من التقييم فإن الأخطاء تتكرر فيه،
لذلك بمجرد انتهاء الموسم تقوم إدارة شؤون الحج الماليزية بتقييم موسم الحج
تقييمًا جادًا لا شكليًا وفق معايير الجودة العالمية "الأيزو"، كما يتم
عقد مؤتمر سنوي للحجاج يتم فيه تكريمهم والاستماع إلى شكاويهم وملاحظاتهم... ويتم
عقد مؤتمر لمرشدي الحج من أجل تقريب الفتاوى بينهم، حتى لا يختلفوا هناك فيقع
الناس في بلبلة وحيرة كما يحدث مع دول أخرى!!
هذا بعض ما رصدته من التجربة الماليزية الجديرة
بالدراسة والاقتداء، علمًا أن كثيرًا مما يقوم به الماليزيون لا يتطلب إمكانيات بل
يتطلب إرادة صادقة وحرص على التطوير والتحسين.
تعليقات
إرسال تعليق