زراعة الجامعات.. وحصاد الحكومات!!
زراعة الجامعات.. وحصاد الحكومات!!
نور رياض عيد
قرأت
لأحد المفكرين عبارة مفادها: "إن ما نزرعه في
طلابنا في مرحلة الجامعة، نحصده منهم في عالم السياسة".. وهذه العبارة
مهمة جدًا فالنفسية والعقلية التي تصنع بها عقلية الطالب الجامعي، ترسم ملامح
حياته، وتبين لنا المستقبل السياسي لتلك البلد، فشباب اليوم هم الذين سيحكمون
البلاد غدًا، وأحببت أن أكتب مجموعة من المقارنات التي تستفز وعينا، وتعلي من
همتنا:
· الطالب
الذي يرى أستاذه يحضر على موعد المحاضرة بالضبط، ولو تأخر دقائق قليلة يقدم
اعتذارًا لطلابه، ولا يخرج من القاعة إلا عند انتهاء محاضرته... بينما طالب آخر
يرى الدكتور الجامعي لا يقيم للوقت وزنًا قد يتأخر ربع ساعة أو نصف ساعة أو حتى
ساعة-في المحاضرات الطويلة- ويخرج قبل الوقت بكثير أحيانًا... ماذا سنجني من
الأول؟ وماذا سنجني من الثاني؟! قارن بين مستقبل الدولة التي سيتقلد الأول فيها
منصبًا، والدولة التي سيتقلد فيها الثاني منصبًا!!
·
الطالب
الذي يرى أستاذه لا يتوقف عن البحث والدراسة، ويعلم أن
الحصول على الدكتوراه أو الأستاذية ما هي إلا شيء عادي، أما الأهم فهو مواصلة
البحث، والوصول لشيء جديد، وتقديم أبحاث دائمة ومستمرة في موضوعات جديدة،
وليس كتابة البحث لأجل الترقية، لذلك فهو دائم القراءة كثير الاستعارة من
المكتبة.. بينما طالب يرى أستاذه يحرص حرصًا مستميتًا من أجل الحصول على درجة
علمية بأية طريقة كانت، ومنذ
حصوله على الدكتوراه أو الأستاذية لم يقرأ سوى القليل، وعلمه الذي حصله في مراحل
الدراسة يتآكل، ولا تحديث ولا متابعة، ومتابعته للجديد في عالم الكتب قليلة.
· الطالب الذي يرى
أستاذه يتخذ من مكتبته أو مختبره أو معمله محراب عبادة، فهو لا
يعرف ساعة انتهاء الدوام، ولا يعرف أيام الإجازة، فميدان البحث مفتوح لا يغلق،
لسان حاله يقول: "مع المحبرة إلى المقبرة".. بخلاف طالب يرى كل الأبواب تغلق
قبل انتهاء الدوام لأن الجميع مستعجل في الوصول إلى بيته، والهروب من ميدان العمل:
"كأنها حمر مستنفرة* فرت من قسورة".
· الطالب الذي يرى أستاذه يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا
أخطأ أحد طلابه أمامه وكتب أمام اسمه: (د.) فقط بدلًا من أن يكتب (أ.د.).. والعجيب
أن المستوى العلمي لذلك (أ. د.) قد يكون متدنيًا.. قارنه بدكتور في العالم الغربي
حصل على جوائز عالمية كبيرة، وقدم للعلم خدمات جليلة، وحصل على (أ.د.) منذ عشرين
سنة.. لكنه لا يلتفت نهائيًا للألقاب، ولا يهتم بماذا ينادى عليه؟! بل يعرف طلابه
على نفسه باسمه (حاف) دون ألقاب ومسميات، ويناديه الطلاب باسمه أيضًا (حاف)!!
[أرجو ألا يفهم أحد من كلامي
أني ضد احترام الأسماء والألقاب، بل هذا من الأدب المطلوب الذي أحرص عليه مع
الكبير والصغير.. لكني ضد التحبيك الزائد، والمسميات الفارغة].
· قارن بين طالب يرى أستاذه الجامعي يكتب بحثًا لا
جديد فيه – إن لم يكن مسروقًا-، ويجلس الأستاذ الجامعي ساعات طويلة يمجد في إنجازه
العلمي، وعدد المراجع الكبيرة التي رجع إليها، وعدد الصفحات الكبيرة للبحث أو
الكتاب... بينما تجد طالبًا في العالم الغربي يجد أستاذه قدم بحثًا فيه أفكار عظيمة،
نشر في مجلات عالمية، وبنيت عليه أفكار واقعية، ولكنه يتعامل مع ما قدمه على أنه
حلقة عادية ضمن سلسلة التقدم العلمي المتواصلة التي لا تتوقف، وأن ما أنتجه أصبح
قديمًا والأصل أن يبحث عن جديد.
· قارن بين طالب يتعلم عند أستاذ يأتي إلى المحاضرة
دون تحضير جيد، أو بتحضير سطحي.. لماذا؟ لأنه مستهتر، أو لأنه يعمل في عملين آخرين
سوى عمله، كما أنه يعمل قائدًا سياسيًا، وداعية، ومصلحًا اجتماعيًا، ومختارًا
لعائلته، وعضوًا في جمعية دعم الفقراء، ورئيسًا لجمعية الأيتام، وعضوًا تأسيسيًا
في نادي رفع الأثقال، و.... بينما يجد الطالب أستاذه في الغرب متفرغًا بشكل كلي
للدراسة والبحث، ولا يعرف غيرهما.. فهو راهب عابد في محراب البحث، كتابه مسبحته،
ومختبره سجادته!!
في الختام: هذه أفكار خطرت في بالي، لم أشأ أن أؤخر
نشرها، فهي بالإمكان أن تنضج أكثر من ذلك.. مع ملاحظة أني لا أقصد الإساءة لأحد بل
قصدت رفع همتي وهمة إخواني من الطلبة في بلاد العروبة والإسلام،، وما أبرئ نفسي من
التقصير والاستهتار والكسل.. وأسأل الله الهداية..
والسلام،،
تعليقات
إرسال تعليق