أخلاقيات الفقير!!

أخلاقيات الفقير!!
نور رياض عيد

(الفقر هو أسوأ أشكال العنف) هكذا رآه المهاتما غاندي، وهكذا رآه المصلحون.. لذلك كان القضاء عليه وعلى آثاره القاسية على سلم أولويات الدول التي تريد النهضة، ولا خير في ذلك المجتمع الذي لا يهتم بفقرائه.
وبإمكاننا القول: إن الفقراء نوعان، فقير خاوي الجيب لكنه غني النفس، عالي الهامة، يأبى الذل، أثنى على أمثاله القرآن بقوله: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا..).. وفقير خاوي الجيب لكنه ذليل النفس، منكس الهامة، يستمرئ الذل ويرضى به... ومن المؤكد أن للفقير على مجتمعه حقوقًا، وكذلك فإن عليه واجبات، وإذا كان لا مفر من الفقر فلا أقل من أن نكون أمام النوع الأول من الفقراء، وهذا ما يتمنى المقال أن يساهم فيه.
من الواجب على الفقير أن يسعى في التخلص من فقره ما استطاع، وألا يستمرئ ذلك، وعليه أن يعلم أنه إذا كان المرء قادرًا على التخلص من فقره ولم يفعل، فإن هذا عيب وليس مفخرة، فالقادر على إطعام عياله من عرق جبينه، لكنه يقصر ويتكاسل فإنه آثم شرعًا، وقد قال عليه السلام: "كَفَى بالمرءِ إثماً أن يضيّعَ مَنْ يَقُوتُ".
ومن المحزن أن نسمع أن بعض الفقراء يفضلون التسول، والطواف على المؤسسات الخيرية ليأخذوا من أموال الزكاة والصدقات على الأكل من عمل اليد، وما علم هؤلاء أن القادر على العمل يحرم عليه أن يأكل من مال الزكاة – طبعًا إذا توفر له عمل-، قال عليه الصلاة والسلام: ""لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِي، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ" وذو المرة السوي هو الإنسان القوي القادر على العمل.
إن الفقير يقع في الحرام حينما يكذب في توصيف حالته، فنسمع أن بعض الفقراء يتظاهر بالفقر ويخفي أملاكه الحقيقية، وبعض الناس يسكن بيتًا ضيقًا متهالكًا مع قدرته على السكن في بيت أفضل، ولكنه يبقى كذلك ليستدر عطف المؤسسات الخيرية، والمحسنين، وقد قال عليه السلام: "من سأل الناس تكثرًا فكأنما يسألهم جمرًا فليستقل أو ليستكثر".
إن الفقير العزيز يحرص ما استطاع أن يكون عفيفًا، وألا يريق ماء وجهه أمام الناس، جاء في الحديث: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم"، فلا يليق به أن يسأل الناس كل شيء، فأحيانًا يكون هذا الفقير مستغنيًا عن بعض المساعدات التي تقدم.. فلماذا لا يكون قنوعًا، ويقول للمتصدقين: هذا عندي؟! وكم سعدت حينما سمعت من أحد المتصدقين أنه طرق باب فقير، ليقدم له مساعدة، فقال له الفقير: شكرًا لك، لكني مستور الحال، وهناك من هو أحوج مني، فقدم مساعدتك لغيري.
إذا نظم المرء مصروفاته ولم يبذر، وادخر القرش الأبيض لليوم الأسود فإنه يقلل من فرصة الوقوع في الفقر المدقع، أما الذي يبسط يده كل البسط في الإنفاق فإنه يجلس يتحسر: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) ويستغرب المرء من بعض الفقراء الذين يعيشون على المساعدات لكنهم يشترون أحدث الجوالات، ويلاحقون موضات الملابس، وإذا تزوج أحدهم فلا تسأل عن حجم التبذير في عرسه، وقد يستدين لشراء الكماليات!! وهذا يوجب على المؤسسات الخيرية، والمختصين أن يعملوا على توعية الفقراء في آليات الادخار.
على الفقير أن يكون لطيفًا متواضعًا، وقد أخبرنا رسول الله أن من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا يزكيهم يوم القيامة: العائل المستكبر أي الفقير المتكبر.

إن هذه الهمسات لإخواني الفقراء لا يعني أنني أحملهم مسئولية فقرهم، أو أني أعفي الأغنياء والمسئولين من واجبهم تجاههم، بل هدفي من وراء ذلك أن أساهم في تحسين أحوالهم، سائلًا ربي أن يغني كل الفقراء من فضله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟