وَهْم الاكتفاء عند الإسلاميين!!
وَهْم
الاكتفاء عند الإسلاميين!!
نور
رياض عيد - غزة
للأوهام
تأثير كبير في حياة الناس، فبسببها يرى المرء نفسه والعالم من حوله على خلاف
حقيقته، ووهم الاكتفاء هو أحد الأوهام التي تساهم في إعاقة مسيرة العمل الإسلامي،
حيث يرى بعض الإسلاميين أنهم يمتلكون كل شيء، وأنهم ليسوا بحاجة لشيء، وأن لديهم
من الخبراء والعلماء وأصحاب الكفاءات ما يؤهلهم لقيادة العالم بجدارة.
إذا
كانت بعض الحركات غير الإسلامية قد تورطت في أزمة تضخيم الآخر (الأمريكي، أو
الروسي، أو الصهيوني)، فإن الإسلاميين تورطوا في تضخيم الذات، فأورثهم ذلك رفض
الآخر، والاستعلاء عليه، وترتب على ذلك زهدهم بالعلم والخبرة والتجربة الموجودة
عند الآخرين، لذلك فهم لا يسعون لثني الركب تحت أقدام الخبراء والعلماء الحقيقيين في
أي مجال، فهم ليسوا بحاجة لذلك لأنهم هم الخبراء، والعلماء، والمتشبعين حتى
الاكتفاء من كل شيء، بل إن بعض القضايا الكبرى التي عصف بها العالم اكتفى
الإسلاميون بكلمات قليلة ذكرت في بعض الكتب الصادرة عن بعض كُتّابهم، واعتبرت
القول الفصل.
يصاب المرء بالدهشة وهو يسمع لأبناء
بعض الأحزاب الإسلامية الذين لم تتح لهم الفرصة لممارسة السياسة عمليًا، ولم يجربوا
أنفسهم حتى في إدارة بلدية -نظرًا لموقف فكري يتبناه ذلك الحزب- إلا أنهم ينظرون
لأنفسهم على أنهم وحدهم من يملكون الرؤية الواضحة والناضجة للعالم، وأنهم قادرون
على تشخيص وعلاج كل المشكلات العالمية لو أسلمت قيادة العالم لهم.
يقنع
الإسلاميون أنفسهم أن تقديم التضحيات يؤهلهم للنجاح في الحكم، وأنهم بمجرد فوزهم سيقدمون
النموذج الراشد، ونموذج السويد والنرويج واليابان ستكون شيئًا هامشيًا بالنسبة
لروعة نموذجهم، وأن وجود شخص واحد يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد يؤهلهم للنجاح
في وزارة الاقتصاد، ووجود شخص واحد من أبناء الحزب يحمل الدكتوراه في القانون
يؤهلهم للنجاح في وزارة العدل، وهكذا.. مع ملاحظة أن هذه النظرة هي للإسلاميين المتقدمين،
أما نموذج طالبان مثلًا، فكان أكثر سذاجة من ذلك، فعدد ليس بالقليل ممن تولوا
مناصب في حكومة طالبان لم يكونوا قد أنهوا الدراسة الجامعية الدينية، وقد عين
الملا محمد عمر الملا محمد عباس وزيرًا للصحة، مع أنه من شيوخ الحديث، وذلك
لاقتناعهم بأن الفقيه يستطيع النهوض بأي مهمة يكلف بها، حتى رئيس الدولة وهو الملّا
محمد عمر لم يكمل تعليمه الديني كما يذكر فهمي هويدي في كتابه (طالبان جند الله في
المعركة الغلط).
تنسى
الحركات الإسلامية أنها تعيش ضمن شعوب العالم الثالث، فهي حركات عالم ثالث، وأن
إمكانياتها لا تزيد عن إمكانيات شعوبها، أي أنها بوضوح جزء من واقع التخلف
والتراجع.
ويزداد
هذا الوهم قبحًا حينما يغلف بغلاف ديني، إذ يتسلح بعض الإسلاميين بأن القرآن يحتوي
على كل شيء، ومن يقرأ القرآن فهو الأفقه في مجال السياسة والاقتصاد، و...، وإن
أضاف لذلك قراءة كتابين في السياسة الشرعية للعلماء القدامى فقد حيزت له السياسة
بحذافيرها،، وأي ظلم للقرآن هذا؟! وكأن القرآن لم يأمر المسلمين بطلب العلم، والسير
في الأرض، وأخذ الدروس والعبر، واستشارة المختصين، وسؤال أهل الذكر، والتعلم من
التاريخ، .. إلخ.
إن
بعض الشخصيات غير الإسلامية -الذين مارسوا السياسة فترة طويلة، وسافروا، والتقوا
بصناع السياسة العالميين- يمتلك شيئًا تحتاجه الحركات الإسلامية، ولكن، أَنّى لمن
يؤمن أنه يمتلك كل شيء أن يتنازل ليتعلم شيئًا ممن لم ينطوِ تحت لواء حركته!
إن
الشعور بالتشبع، وعدم الاحتياج للآخرين، لا يقتصر فقط على الآخر غير الإسلامي، بل
يشمل الإسلامي المختلف، فلا تزال بعض الحركات تزهد شبابها – إن لم تكن تحرم- في
قراءة كتب العلماء والمفكرين الذين ليسوا من المنتمين لها، فضلًا عن التشكيك في
أولئك العلماء وأعمالهم ونواياهم.
إذا
لم تتعافَ الحركات الإسلامية من وهم الاكتفاء، وتستشعر أنها ما زالت شيئًا بسيطًا
في هذا العالم القوي، الذكي، المنظم، فلن يزيدها حصول أبنائها على الدرجات العلمية
العالية إلا غرورًا، وتضخمًا، لأنها ستتعامل مع حملة الشهادات بطريقة من اثنتين:
إما أن تعتبر أن الشهادة نهاية العلم، ولا عجب أن تجد بعض الجماعات الإسلامية تضخم
شخصية علمية عندها، لو وضعت هذه الشخصية في ميدان الفحص العلمي الحقيقي لكان لا
شيء!! أو أن تتعامل مع حملة الشهادات على أنهم مجرد زينة دون أن تستفيد منهم
الاستفادة الصحيحة، ويكون مصيرهم التهميش لأنهم يأبون التدجين، والطاعة العمياء.
من
يتصدق على الإسلاميين اليوم ليجعلهم يعرفون قدرهم، وأنهم بحاجة ماسة وكبيرة إلى
الآخرين في كل المجالات، لعل المساكين يعرفون من أين تكون البداية؟
تعليقات
إرسال تعليق