السواك الذي نصرنا!!

السواك الذي نصرنا!!
نور رياض عيد

يمكن تلخيص تلك الحكاية المتعددة الروايات بما يلي: "لقد خاض المسلمون في قرونهم الأولي معركة ضد الكفار، وقد مرت مدة من الزمن دون أن يتمكن المسلمون من الانتصار فيها، ‏مما دفع أحد القادة إلى أن يخرج إلى الجند طالبًا منهم أن يبحثوا عن سنة من سنن المصطفى r تركوها، لعلها تكون هي سبب تأخر النصر، وبعد البحث والتحري كانت النتيجة بأنهم قد تركوا سنة السواك، وبمجرد أن عرفوا السر، وحمل كل واحد منهم سواكًا نظف به أسنانه دخلوا المعركة فانتصروا، وفي رواية أخرى أن الأعداء حينما رأوهم خافوا منهم وظنوهم يتجهزون لأكلهم".
من المؤسف أن تحتل هذه الحكاية مكانًا في عقول وفكر عدد من أبناء الأمة، خاصة وأن الخطباء والوعاظ ذكروها كثيرًا، وهذه الحكاية فضلًا عن كونها غير صحيحة من حيث الإسناد كما قال الدارسون، فإنها تساهم -هي وأمثالها- في تشكيل الوعي المسلم بطريقة مشوهة، ويمكن بيان ذلك في النقاط التالية:
·     بدلًا من تشكيل وعي صحيح قويم قائم على مراعاة سنن الله في الكون، عشش في عقل بعض المسلمين – كما يصفهم الإمام محمد رشيد رضا-: "أنَّ الانتساب للدين فيه أسرار غير معقولة، تُعطي أصحابه قوى غيبية تكون بها غلبتهم على من سواهم"... فترويج مثل هذه الحكاية يغيب عن عقولنا النظرة السننية، تلك النظرة القائمة على ملاحظة سنن الله تعالى في بناء الأمم والحضارات.. فتصبح نظرتنا سطحية ساذجة.

·   بمثل هذه الحكايات نعزز التطرف والغلو ومحاربة الشعوب، فحينما يجد الشباب الملتزم مجتمعه يقصر في فريضة أو سنة، فإنه سيحاول جاهدًا أن يفعل به الأفاعيل، لأن ترك السواك – كما تزعم تلك الحكاية- كان سببًا في تأخر النصر، فما بالنا بترك سنن وفرائض؟!
·     هذه القصة تعزز الفهم الخاطئ للسنة النبوية والاقتداء بهديه عليه الصلاة والسلام، فالسواك –مع إقرارنا بفضله لثبوت ذلك في الأحاديث الصحيحة- هو سنة، لكن هناك فرائض وسنن أهم من سنة السواك ولها أثر كبير في النصر، مثل فريضة الشورى، وفريضة التخطيط الجيد، وفريضة إعداد أفضل العدد، واختيار القائد الذكي الشجاع، ومراعاة الظروف والأحوال، و..
·     هذه الرواية تدفع المسلمين أن يطلبوا من القرآن أو السنة النبوية تحقيق الانتصارات، والنصوص المقدسة لا تحقق نصرًا إلا إذا دخلت عقول أناس فطبقوها.

ختامًا: لو فرضنا جدلًا صحة هذه الرواية، ولكوني مسلمًا يحب نبيه صلى الله عليه وسلم ويحرص على سنته، قد أستوعب فكرة كهذه، لكن في سياق: أن يكون المجاهدون قد قاموا بكل ما هو مطلوب منهم من إعداد وتخطيط، وتعبئة وتوجيه، والأخذ بأقوى وأرقى الخطط العسكرية، واستخدام أفضل وأحدث الأسلحة، وراعوا الظروف والوقائع التي تحيط بهم، ثم أراد ربنا أن يلفت انتباههم إلى بركة التزام فضيلة السواك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟