فأين الله؟؟
فأين الله؟!
نور رياض عيد
كان شديد الحذر في نهار رمضان من دخول قطرة ماء
إلى جوفه، وكان بإمكانه أن يختلي بنفسه في غرفة فيأكل أو يشرب ما شاء ثم يخرج
للناس متظاهرًا بالصيام؛ لكنه حافظ على صيامه، وصبر على جوعه وعطشه خشية لله
وابتغاءً لمرضاته، وشعورًا منه أن الله يراقبه..
جميل هذا المعنى الذي يغرسه الصيام في قلوبنا..
لكن المشكلة في بعض أبناء الأمة أن درس مراقبة الله الذي تعلموه وعاشوه في مدرسة
الصيام لا يستصحبونه معهم في بقية مجالات حياتهم، في بيعهم وشرائهم.. في عملهم..
في دراستهم.. في معاملاتهم المختلفة.
إن
الإحسان هو أعلى مراتب الإيمان، وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أَنْ تَعْبُدَ
اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"،
وهذه المرتبة من الواجب على المسلم أن يطمح للوصول إليها، وبذلك يقوم بكل أعماله
على أفضل وجه لأنه يعلم أن عين الله تراقبه.
يروي لنا التاريخ
الإسلامي قصة تعددت أسماء الذين وقعت معهم، لكن العبرة واحدة، وهي أنه مر ّ راعٍ
بالصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما، فعرض عليه ابن عمر مختبرًا له: هل لك أن تبيعنا
شاة من غنمك ونعطيك ثمنها، ونطعمك من لحمها؟ فقال الراعي: إنها ليست لي إنها
لمولاي.. قال: فما تظن أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب؟
فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء
وهو يقول: فأين الله؟! ويُذكر أن ابن عمر اشتراه لما رأى من صلاحه.
يا شباب.. إن صرخة "فأين الله" ينبغي
أن تخرج من أعماق كل شاب منا ليذكر بها نفسه، حينما يخلو أمام فيلم محرم، أو أمام
فتاة لا تحل له، أو حينما يتمكن من تعاطي مخدر، أو حينما يتمكن من الغش أو السرقة
أو التهرب من المسئوليات المطلوبة منه.
إن الإسلام يربي أبناءه على أن تكون ضمائرهم
يقظة.. وحساسيتهم شديدة.. وأن يعيشوا برقابة الضمير قبل رقابة الأمير، فمراقبة
الله هي الحل الأقوى لكثير من مشكلاتنا، فمهما كانت الأجهزة الأمنية والقضائية في
أي بلد قوية فإنها لن تستطيع أن تمنع صاحب الضمير الخرب من ارتكاب المحظورات... وقد
ذكر النبي هذه الحقيقة، فقال لخصمين جاءا يتقاضيان عنده: "إِنَّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ،
فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، بِقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا أَقْطَعُ
لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا".
لقد أخبر النبي عليه
الصلاة والسلام أصحابه عن أناس من أمته قد تعبوا كثيرًا من أجل تحصيل الأجور، لكن
هذه الأجور تذهب ولا يبقى منها شيء.. والسبب يخبرنا عنه النبي عليه السلام: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا
مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ
تِهَامَةَ بَيْضَاءَ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا" قَالَ
ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا وَجَلِّهِمْ، لَا نَكُونُ
مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: "أَمَا إنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ
وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ،
وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".
وما أجمل أن نختم هذا المقال بحكمة ابن عطاء
الله السكندري: "أفضل الطاعات.. مراقبة الحق على دوام الأوقات".
تعليقات
إرسال تعليق