فقه الزواج [1]
فقه
الزواج [1]
هذا الملخص خاص بطلبة المستوى الثالث في كلية الدعوة، والمرجع الرئيس لهذا الملخص، هو كتاب أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة للدكتور عمر الأشقر رحمه الله، مع وجود إضافات من كتب أخرى.
· الفصل الأول:
الزواج حقيقته،
وأهميته، ومشروعيته، وحكمه.
· الزواج لغةً:
الصنف والنوع من كل شيء، والزوج ماله نقيض أو نظير، ومثال النقيض: الحلو
والمر، الليل والنهار، الذكر والأنثى، ومثال النظير: الشكلين المتماثلين،
والصنفين المتماثلين.
ويدور لفظ الزواج عند
العرب على الاقتران والارتباط، تقول: زوج الشيء، وزوجه إليه: قرنه به، وقال
تعالى: "وزوجناهم بحور عين" أي قرناهم.
ويطلق على الرجل
والمرأة اسم الزوجين، فالمرأة زوج بدليل قوله تعالى: "اسكن أنت وزوجك
الجنة"، والرجل زوج لقوله تعالى: "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا
غيره".
ملاحظات:
·
الأفصح
في لغة العرب أن يطلق لفظ الزوج على كل من الذكر والأنثى بصيغة واحدة، تقول
المرأة: هذا زوجي، ويقول الرجل: هذه زوجي، ويجوز أن يقال عن المرأة زوجة، وقد ورد
ذلك في أحاديث نبوية، منها قوله عليه الصلاة والسلام: "وإن لزوجتك عليك
حقًا".
·
يطلق
الفقهاء على المرأة لفظ "زوجة" خوف وقوع اللبس بين الذكر والأنثى في
الميراث.
· كل واحد من الزوجين يسمى زوجًا،
والاثنان زوجان، وإطلاق الزوج على الاثنين من أخطاء العوام، يقولون: عندي زوج
حمام، والصواب: عندي زوجا حمام، قال تعالى: "وأنه خلق الزوجين الذكر
والأنثى"، وأجاز بعض اللغويين إطلاق زوج على الاثنين.
· النكاح لغةً:
الضم والجمع، تقول العرب: تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض، وسمي
العقد المعروف بين الرجل والمرأة باسم النكاح، لأن كل واحد من الزوجين يرتبط
بالآخر ويقترن به.
تعريف عقد النكاح
اصطلاحًا:
هناك عدة تعريفات، نذكر منها:
1-
اعتبر
ابن قدامة أن الزواج معروف فلا حاجة لتعريفه، فعرفه بـ "عقد التزويج".
والمراد بالعقد: الاتفاق بين طرفين،
يلتزم كل منهما بمقتضاه تنفيذ ما اتفقا عليه، كعقد البيع والزواج.
ويتضح من هذا التعريف أن العقد اتفاق
يبنى عليه التزام كما تبنى عليه آثار قانونية، كحل الاستمتاع بين الزوجين والمهر
والنفقة، أما الاتفاق الذي لا تترتب عليه آثار قانونية فلا يسمى عقدًا، كالاتفاق
على القيام برحلة أو الخِطبة.
2-
عرفه
بعض العلماء بقوله: "الزواج عقد موضوع لملك المتعة، أي حل استمتاع الرجل
من المرأة" فموضوع العقد هو حل الاستمتاع بين الزوجين.
3-
عرفه
الشيخ علي حسب الله: "اتفاق يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر،
وائتناسه به طلبًا للنسل على الوجه المشروع".
4-
من
التعريفات أيضًا: "عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدًا".
أهمية الزواج ومكانته
الزواج له أهمية عظيمة
في حياة الأفراد والمجتمعات، ومن الأمور التي تبين أهمية الزواج:
1- الزوجية قاعدة الخلق في جميع المخلوقات،
ويدلل على ذلك قوله تعالى: "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".
2-
الزوجية
آية من آيات الله الدالة على عظمته سبحانه وتعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ
يتفكرون".
3-
بالتزاوج
يتكاثر البشر، وتستمر حياتهم على وجه الأرض: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ
مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً..".
4-
تكثير
الأمة وحفظها من الزوال والإذلال، ولذلك قدم كثير من العلماء أحكام الزواج في
مؤلفاتهم على أحكام الجهاد، لأن الزواج يمد الأمة بالرجال المجاهدين الذين يحمون
الديار، وقد قرر عدد من أهل العلم أن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنوافل
العبادات.
5-
الزواج
هو السبيل الأمثل لإشباع الغريزة الجنسية بطريق مشروع، وبه يتحقق الإعفاف للزوجين،
ويحصل السكون النفسي، "إن التوتر الذي يصيب كل من الرجل والمرأة عندما يفكر
أحدهما في الآخر ليس سبيله الكبت الذي يولد الانفجار، ويكون عامل تدمير للأفراد
والمجتمعات، وليس سبيل أن نطلق للشهوات العنان بغير حدود ولا قيود، ولكن السبيل
لذلك هو إقامة العلاقة السوية التي تشبع الفطرة وترويها بالطريق القويم الذي يعمر
ويثمر، ولا يدمر ويخرب، وهذا السبيل هو الزواج".
6-
الزواج
سبيل لاكتمال خصائص الرجولة والأنوثة عند الجنسين، ففي الزواج تظهر العواطف
النبيلة والمشاعر الراقية، كالأبوة والأمومة، "وكثير من الشباب المستهتر
الطائش، يتحول استهتاره وطيشه إلى رزانة ووقار عندما يتزوج، ويتحمل مسؤولية الزوجة
والأولاد، ويصبح رجلًا حازمًا عاملًا يحسن التفكير واتخاذ القرار".
مشروعية
الزواج
دلت الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية على مشروعية الزواج، ونتحدث عن مشروعية الزواج ضمن النقاط
التالية:
1- امتن الله على عباده بأنه خلق لهم من
أنفسهم أزواجًا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً
وَنِساءً..".
2- حث القرآن الكريم على الزواج، وذلك في
قوله تعالى: ".. فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ.."، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ
اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ
لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"
رواه مسلم.
3- أخبرنا ربنا في القرآن أن النكاح من سنن
المرسلين: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا
وَذُرِّيَّةً.."، وأثنى القرآن الكريم على عباد الرحمن بأن من دعائهم: "رَبَّنَا
هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَامًا".
4- من نعيم الله الذي ينعم به المؤمنون في
الجنة تزويجهم بالحور العين: "كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ"،
ويصحب المؤمن في الجنة زوجته المؤمنة: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ
صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ..".
5- أنكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على الذين أرادوا الترفع عن الزواج واعتزال النساء، فقد جاء في الحديث
الشريف: "جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا
أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ،
قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ:
أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ
فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ،
فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي
وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"،
وقد "رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ
التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا" [التبتل: الانقطاع عن
النساء وترك الأزواج، لاختصينا: من
الخصاء، وهو قطع الخصيتين اللتين بهما قوام النسل أو تعطيلهما عن عملهما].
6- أجمعت الأمة على مشروعية الزواج، بل هو
شرعة عامة للبشرية، شرع من عهد آدم عليه السلام.
حكم الزواج
اختلف العلماء في حكم
الزواج من حيث الوجوب والندب والإباحة، وذلك في الحالة العامة –الطبيعية- على
أقوال عدة، ولكل فريق أدلته، ومع اختلافهم في حكم الزواج في الحالة العادية، إلا
أنهم يرون أن الزواج قد يتغير وصفه بالنظر إلى حالة الشخص المعني بالزواج، فتعتري
الزواج أحكام متعددة، نوضحها في النقاط التالية:
1- الوجوب:
وذلك إذا تاقت نفسه إلى الزواج، وخشي من الوقوع في الزنا، وكانت لديه القدرة على
نفقات الزواج، وكان قادرًا على القيام بحقوق الزوجية، فيكون الزواج واجبًا، لأن
ترك الزنا واجب وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به يكون واجبًا مثله.
2-
الندب:
وذلك إذا تاقت نفسه إلى الزواج، ولم يوجد سبب من أسباب الكراهة أو التحريم، وخشي
على نفسه الفتنة، دون الظن بوقوعه في الزنا.
3-
التحريم:
إذا كان الزوج غير قادر على تكاليف الزواج، ويخاف ظلم زوجه ظلمًا متحققًا لا يمكن
الاحتراز عنه، لأنه بذلك تنعدم مصلحة الزواج لأنه سيظلم زوجته، والظلم حرام.
4- الكراهة:
إذا خشي على نفسه ظلم زوجته، خوفًا لا يرقى إلى درجة الظن بوقوعه، بل يظن نفسه
قادرًا على التحرز منه.
طبيعة
عقد الزواج
·
اعتاد
المسلمون أن يحيطوا عقد الزواج بهالة من القدسية والتعظيم، وهذا مستمد من توجيهات
القرآن والسنة، فالمسلمون لا يحتفلون بعقد البيع ولا بعقد الإجارة ولا غيرهما من
العقود، لكنهم يحتفلون بعقد الزواج، كما يسبق الزواج بخِطبة.
·
عند
العقد يُدْعى الأقارب والجيران والأحباب، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
بإعلان النكاح والضرب عليه بالدف، كما شرعت الوليمة، ويستحب تهنئة العروسين والدعاء
لهما.
· ماذا لو خلا عقد النكاح من
هذه المراسم؟
لو
خلا عقد الزواج من هذه المراسم، واقتصر فيه على الإيجاب والقبول، وذكر فيه المهر،
وشهد عليه شاهدان، فإن الزواج يقع صحيحًا.
ملاحظتان:
الأولى:
لم تشترط الشريعة في عقد النكاح أن يعقد في المسجد، كما لم تشترط عقده على يد عالم
أو فقيه.
الثانية:
ما جرى عليه العمل في البلاد الإسلامية من وجوب توثيق عقد النكاح في المحاكم، فهو
عائد إلى أحكام إدارية تنظيمية، ألزمت بها الدول الناس قطعًا لما يحدث بين الناس من
تنازع واختلاف، ولو تم الزواج من غيرها فلا يكون عند الله باطلًا، ولكن العاقدين
ومن عقد لهما قد تنالهم العقوبة من الدولة.
وهذا
كله يبين لنا احترام الإسلام لهذا العقد، لكنه في الوقت ذاته يدلل على تسهيل
الإسلام لهذا العقد وعدم تعقيده، وعدم اعتباره سرًا من الأسرار التي يختص بها رجال
الدين.
الفصل
الثاني:
أحكام
خِطبة النساء
تعريف الخطبة: الخطبة بكسر الخاء وضمها مشتقة من المخاطبة،
وهي الكلام والمحادثة التي تجري بين المتكلم والسامع، وقد جعلت العرب الخُطبة:
لما يلقى من كلمات في المجامع والمحافل، والخِطبة: طلب المرأة للزواج.
والخِطبة مشروعة لقوله تعالى: "ولا جناح
عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء".
·
هل يجوز للمرأة أو وليها خطبة رجل؟
لقد كان أهل العلم والصلاح يخطبون لبناتهم، فقد
عرض الرجل الصالح على سيدنا موسى عليه السلام أن يزوجه إحدى ابنتيه: "قالَ
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ.."
[سورة القصص: من الآية 27]، وقد عرضت صحابية نفسها على رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي
حَاجَةٌ؟" فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ
وَا سَوْأَتَاهْ، قَالَ: "هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا" صحيح
البخاري، وقد عرض عمر ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجميعن.
تزيين البنات لينفقن:
إن تحلية البنات
بالحلي والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة، وقد جاء في الحديث: "لَوْ كَانَ
أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهُ وَكَسَوْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ" [سنن ابن ماجه، بإسناد صحيح].
النساء اللواتي لا
يجوز خِطبتهن
قاعدة: كل امرأة لا يجوز الزواج بها على سبيل التأبيد أو التوقيت
فإنه لا يجوز خطبتها.
سيأتي ذكر
المحرمات من النساء في مبحث مستقل، لكن سنذكر هنا حالتين:
أولًا: حكم خِطبة المرأة في عدتها:
·
لَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ
مطلقًا؛ وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.[انظر:
مجموع الفتاوى: ابن تيمية، (32/8)]
· يجوز التعريض بخطبة المعتدة من وفاة.
·
لا يجوز التعريض بخطبة المرأة المعتدة الرجعية.
اختلف العلماء في جواز التعريض بخطبة المطلقة
ثلاثًا، فأجازها المالكية والشافعية في الأظهر عندهم، ومنعها الحنفية في الأظهر
عندهم.
واستدل المانعون من التعريض بخطبة المطلقة
ثلاثًا، بقوله تعالى: "وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ.."[سورة البقرة: من
الآية 235] حيث أن الآية وردت في المعتدة من وفاة، ولا يجوز تعدية الحكم لغيرها.
وأما المجيزون للتعريض بخطبة المعتدة من طلاق
الثلاث فحجتهم أن هذه المرأة لا تجوز رجعتها إلى مطلقها، كما لا يمكن للمعتدة من
وفاة أن تعود إلى زوجها المتوفَّى، فالمعنى موجود في الحالين.
** الحكمة من وراء المنع من خطبة المعتدة
الرجعية أنها في حكم الزوجة، وفي هذا إيذاء للزوج، كما أنها قد تدعي أن عدتها
انتهت ولم تنتهِ بعد، يقول ابن تيمية: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ –أي خطب امرأة في
عدتها- يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ ذَلِكَ
فَيُعَاقَبُ الْخَاطِبُ وَالْمَخْطُوبَةُ جَمِيعًا وَيُزْجَرُ عَنْ التَّزْوِيجِ
بِهَا؛ مُعَاقَبَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ" [انظر: مجموع الفتاوى: ابن
تيمية، (32/8)].
·
ما
الفرق بين التصريح والتعريض في الخِطبة؟
التصريح بخطبة المعتدة أن يقول لها صراحة أريد
نكاحك، أو إذا انقضت عدتك نكحتك، أما التعريض: فهو أن يقول كلامًا محتملًا غير
صريح بالخطبة، كقوله: كم من إنسان يتطلع إليك، ويرغب فيك، ونحو ذلك.
مسألة: إذا خطب رجل امرأة متوفى عنها زوجها في عدتها خطبة صريحة،
وتزوجها بعد انقضاء عدتها.
الحكم: يكون الرجل آثمًا، والزواج صحيحًا، أما
إذا تزوجها في عدتها فالزواج باطل.
ثانيًا: خِطبة المرأة المخطوبة:
لا
يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه، وقد جاءت عدة أحاديث تؤكد ذلك، منها قوله صلى
الله عليه وسلم: "لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيه" رواه
مسلم، والحكمة من وراء ذلك أن هذا الفعل يورث العداوة والبغضاء، ويؤدي إلى أن يزكي
المرء نفسه ويذم غيره ويغتابه، وفيه خيانة للخاطب الأول.
· ما
حكم زواج من خطب على خطبة أخيه؟
اختلف
العلماء في هذه المسألة على قولين:
الأول:
إن الزواج باطل، وهو قول مالك ورواية عن أحمد.
الثاني:
أنه صحيح وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وأحمد في رواية أخرى، والمحرم ليس الزواج بل
الخطبة.
والرأي
الراجح: إن
الخاطب على خطبة أخيه آثمٌ عاصٍ، وعلى الحاكم أن يعزره، ولكن العقد صحيح لا ينبغي
فسخه، وإنما كان العقد صحيحًا لأن النهي في الحديث مسلط على الخطبة نفسها لا على
العقد، والعقد استوفى أركانه وشروطه، والمخالفة في الوسيلة وليست في العقد، ولا في
جزء من أجزائه، حتى ولا في مقدمة لازمة له، فيمكن أن يجري العقد من غير خطبة
أصلًا.
·
متى
يقع النهي عن الخطبة على الخطبة؟
يقع النهي عند عدد من العلماء عندما
تجيب المرأة أو وليها الخاطب، أما في حال عدم إجابته، فلا تحرم خطبة غيره، ويرى
ابن حزم أن مجرد التقدم لخطبة امرأة يجعل خطبتها من غيره حرامًا إذا علم بذلك،
واستثنى حالة واحدة يجوز للثاني التقدم للخطبة، وهي أن يكون الأول غير مرضي في
دينه.
مقاييس
الاختيار وموازينه
حددت الشريعة الدائرة التي يكون منها الاختيار،
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج غير المسلم مطلقًا، ويجوز للرجل المسلم أن يختار
من دائرة المسلمات والكتابيات، وفي ذلك يقول تعالى: " وَلَا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ
وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"
[سورة البقرة: الآية 221]، وقال تعالى: "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ
حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ.." [سورة
المائدة: الآية 5].
· ينبغي أن يحرص المسلم على أن تكون زوجته من
ذوات الدين: " "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا
وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ"
[صحيح البخاري].
·
لا
حرج على الرجل أن يطلب ذات الجمال والمال والحسب إذا كانت من ذوات الدين، ومن
طبيعة الرجل أنه يحب المرأة الجميلة، وقد كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم
يعجبه حسن النساء: "لَا
يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ
وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُن.." [سورة الأحزاب: من الآية 52].
·
وكان
النبي عليه السلام يحث أصحابه على اختيار المرأة التي تمتاز بصفات تقربها إلى قلب
الرجل، فقد لام على جابر لأنه تزوج بثيب، وقال له: "هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا
وَتُلاَعِبُكَ" [صحيح البخاري].
تعرف كل واحد من الخاطبين على الآخر
أولًا:
النظر إلى المخطوبة:
حث الرسول صلى الله عليه وسلم من أراد التزوج من امرأة على
النظر إليها قبل الزواج بها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ
أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟»، قَالَ: لَا،
قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ
شَيْئًا" [وهو واحد الأشياء قيل المراد صغر وقيل زرقة] رواه مسلم.
وجاء في حديث آخر: عن جابر بنِ عبد الله، قال:
قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: "إذا خَطَبَ أحَدُكُم المرأةَ، فإن
استطاعَ أن يَنْظُرَ إلى ما يَدْعُوهُ إلى نِكَاحها فَلْيفعَل".. فخطبتُ
جاريةً فكنت أتخبَّأ لها، حتى رأيتُ منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوَّجْتُها.[سنن
أبي داود بإسناد صحيح]، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ
أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" [سنن ابن ماجه بإسناد صحيح] ومعنى أن
يؤدم بينكما: أي أن تدوم المودة بينكما، وتسود الألفة حياتكما.
وهذه الأحاديث تدل على استحباب النظر إلى
المخطوبة، حتى تستريح نفس الخاطب إلى الإقدام على الزواج بها، فإن هذا يؤدي إلى
دوام العشرة.
·
ما
حكم الزواج بامرأة لم ينظر الخاطب إليها قبل العقد؟
لا خلاف بين العلماء في صحة زواج من نكح امرأة
من غير أن ينظر إليها، فإن النظر مباح أو مسنون، ولم يقل أحد بوجوبه.
حدود نظر الخاطب للمخطوبة:
لا خلاف في إباحة
النظر أو استحبابه في النظر إلى الوجه والكفين، وذهب الإمام أحمد إلى أنه ينظر إلى
ما يظهر غالبًا كالرقبة والساقين، وذهب الأوزاعي إلى أنه ينظر إلى ما يريد منها
إلا العورة، وذهب الإمام أحمد في رواية والظاهرية إلى جواز أن ينظر إليها كلها.
والرأي الراجح هو قصر النظر على الوجه والكفين،
وأما بقية الأوصاف فتنقلها له أخته أو أمه، وأما العلماء الذين أضافوا سوى الوجه
والكفين، فربما كان قصدهم حالة النظر في غير حضرة أهلها، أي إذا احتال لرؤيتها ولم
تعلم بنظره.
·
لا يشترط أن يستأذن الخاطب المخطوبة عندما يرغب بخطبتها،
ويعلل الفقهاء ذلك بأمرين: الأول أن الشارع أذن في النظر من غير أذنها، والثاني:
الخوف من أن تتزين إن علمت أنه سينظر إليها، فيفوت غرضه من النظر، وهو رؤيتها على
طبيعتها.
· يجوز للخاطب أن يكرر النظر إن احتاج إليه
ليتأمل محاسنها حتى تطمئن نفسه.
· يحرم على الخاطب أن يخلو بمخطوبته، لأنها
أجنبية عنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلونّ أحدكم بامرأة، فإن
الشيطان ثالثهما".
· إذا علم الرجل يقينًا أن المرأة لن تقبل به
زوجًا فإنه يحرم عليه النظر إليها.
· إذا غلب على ظن الخاطب أنها لن تقبل به فإنه
يكره له النظر إليها.
·
يندب للمرأة المخطوبة أن تنظر إلى من يتقدم لخطبتها، فإنه
يعجبها منه ما يعجبه منها.. ويمكن أن يقال بأن الشارع لم يوجه المرأة للنظر إلى
الخاطب، لأن الرجال ظاهرون بارزون في المجتمع الإسلامي، فبإمكان المرأة تنظر إليه
بيسر وسهولة.
التوكيل:
·
يجوز للخاطب أن يوكل غيره في النظر إلى المخطوبة، لا فرق في
ذلك بين أن يكون الموكَّل رجلًا أو امرأة.. أما أن يكون امرأة فهذا لا حرج فيه،
وأما يكون رجلًا، فهذا لا يجوز في ظل وجود امرأة تقوم بذلك.
ملاحظة: إذا لم تعجب المخطوبة الخاطب، فينبغي ألا يذيع ما يسوؤها
وأهلها.
التعرف على المخطوبة بوسائل الاتصال الحديثة
·
إذا كانت الرؤية مباحة فإنه يجوز للخاطب من باب أولى أن يستمع
لمن يصفها له بقصد التعرف عليها.
· يجوز للخاطب أن ينظر لصورة فوتوغرافية أو
تلفزيونية لمن يرغب بخطبتها، خاصة إذا كانت في مكان بعيد، مع ضرورة الانتباه إلى
أن الصورة قد تكون خادعة، وقد تقدم له صورة امرأة أخرى، كما أن رؤية عدد كبير من
الناس قد يؤذي المرأة ويؤذي أهلها.
·
يجوز للخاطب أن يكلم مخطوبته بالهاتف ليتعرف على صوتها
ورأيها في بعض الأمور، وليكن ينبغي أن تكون المحادثة بعلم أهل الزوجة، وبقدر
الحاجة.
النصيحة في ذكر
مساوئ الخاطب
·
إذا استشارك أحد في خاطب أو مخطوبة، فيجب عليك أن تصدقه
النصيحة، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة"، وهذه من الحالات
التي يجوز فيها الغيبة، لأن الغيبة تباح لقصد شرعي، ولكن يجب أن يقتصر في الكلام
على ما يوصل الصورة للسائل دون الاسترسال.
التكييف الفقهي
للخطبة
·
الخطبة ليست عقدًا ولكنها وعد بعقد، والوعد بعقد غير ملزم
بعقده عند جمهور العلماء، والذين ألزموا بإمضاء الوعد قلة من أهل العلم، وعلى هذا
فإن حكم الرجوع عن الخطبة محرم على قول قلة من أهل العلم، ومكروه عند الجمهور، إذا
كان من غير سبب، وجائز إذا كان لسبب واضح.
الفصل الثالث
أركان عقد النكاح
وشروطه وأنواعه.
أولًا: أركان عقد الزواج:
كل العقود مبناها على
اجتماع إرادة العاقدين على الرضا بموضوع العقد، ولما كانت الإرادة والرضا من
الأمور الخفية لزم أن يصدر من العاقدين ما يدل على قبوله بالعقد وموافقته عليها.
وتسمى الألفاظ التي
تتم بها العقود: الإيجاب والقبول، وقد اتفق الفقهاء على عدِّها ركنا العقد، وقصر
الحنفية والحنابلة الركنية عليها.
شروط عقد الزواج:
المراد بالشروط هنا
الشروط التي اشترطها الشارع في عقد الزواج، لا الشروط التي يشترطها أحد العاقدين
في العقد.
شروط الانعقاد:
يشترط في الصيغة ما يلي:
1-
يشترط
في الإيجاب والقبول أن تكون بلفظ الإنكاح والتزويج، وبأي لفظ يدل عليهما.
2-
يشترط
في الصيغة أن تدل على الدوام والتنجيز، فإن كانت على التأقيت والاستقبال لم يصح
العقد.
3-
موافقة
القبول للإيجاب من كل وجه.
4-
المولاة
بين الإيجاب والقبول.
5-
ألا
يعود الموجب عن إيجابه قبل قبول الآخر.
الشروط المشترطة في العاقدين:
1.
أن يكون كل واحد منهما أهلاً لإجراء العقد، بأن
يكون بالغًا عاقلًا.
2. رضا
العاقدين.
3.
أن
يكون للعاقد الحق في إنشاء العقد، فلا ينعقد عقد الفضولي الذي يعقد لغيره، وبعضهم
صححه إذا أجازه صاحب الحق في إنشاء العقد.
4.
ألا
يوجد بين الزوجين سبب من أسباب التحريم التي تمنع الزواج.
5.
أن
يكون كل واحد من الزوجين معروفًا معلومًا.
6. أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر
ويفهم كلامه.
أنواع عقود الزواج
يقسم العلماء عقود الزواج إلى ثلاثة
أقسام: [الصحيح، والباطل، والفاسد].
العقد الصحيح:
هو العقد الذي تترتب آثاره عليه.
ومن الآثار المترتبة على الزواج الصحيح:
المهر، والنفقة، والسكنى، وحق التوارث، ونسب الأولاد.
العقد الباطل:
هو المقابل للصحيح، ولا فرق بينه وبين الفاسد عند جمهور الفقهاء، باستثناء
الحنفية، فالباطل والفاسد هو ما لا يترتب عليه أثره.
أما الحنفية فيرون أن الفاسد مشروع
بأصله لا بوصفه، والباطل فهو غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه.
ملاحظة: الحنفية يساوون بين الباطل
والفاسد في النكاح، ولا يفرقون بينهما لخطورة الزواج.
مناط التفرقة بين الباطل والفاسد:
يفرق بعض أهل العلم بين الباطل والفاسد،
ويمكن تلخيص تفريقهم في الجدول التالي:
وجه المقارنة
|
الباطل
|
الفاسد
|
الفرق بينهما
|
حينما يكون متفقًا على بطلانه.
|
حينما يختلف الفقهاء فيه.
|
أمثلة
|
نكاح خامسة، أو متزوجة، أو
معتدة.
|
الشغار، المتعة، التحليل،
والنكاح بلا ونكاح الخامسة في عدة الرابعة.
|
كيفية فسخه
|
يفسخ العقد بلا طلاق.
|
يفسخ بحكم الحاكم، أو بطلاق.
|
إقامة الحد
|
يقام على فاعله حد الزنا
|
لا يحد
|
الآثار المترتبة
|
لا تجب عدة ولا نفقة ولا نسب
ولا توارث
|
لا يترتب عليه أي شيء قبل
الدخول، وتترتب عليه آثار بعد الدخول.
|
الأنكحة الباطلة
والفاسدة
أولًا: تزوج المسلمين بغير
المسلمين:
- لم
يأذن الله للمسلم ولا للمسلمة الزواج من المشركين.
- اتفق
العلماء على جواز تزوج المسلم من الكتابية يهودية كانت أو نصرانية، ولم يخالف في
ذلك إلا ابن عمر، مستدلًا بقوله تعالى: "وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ.."، والصواب من القول أن هذا النص عام، والنص الذي أباح
الزواج من نساء أهل الكتاب خاص، وهو قوله تعالى: "وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.." وإذا تعارض العام والخاص قدم
الخاص.
- اتفق
العلماء على حرمة تزوج المسلمة من كتابي، لعدم ورود نص يستثني أحدًا من الكفار في
حق المرأة المسلمة.
- أجازت
الشريعة التزوج من الكتابية دون المشركة، لأن أهل الكتاب عندهم من الدين ما يعرفون
به شيئًا من الإيمان، وهم يفرقون بين شيء من الحلال والحرام، بخلاف المشركين.
-
أجازت الشريعة تزوج المسلم من الكتابية، ولم تجز
تزوج المسلمة من كتابي، لأن المسلم يؤمن بجميع الرسل، وجميع الكتب، وأما أهل
الكتاب فلا يؤمنون برسولنا ولا بكتابنا، وبذلك فإن دين الكتابية الأصلي قبل
التحريف محترم، وكتابها ورسولها محل احترام المسلم، أما الكتابي فإنه يأبى أن
يحترم شيئًا من ذلك في حالة تزوجه من مسلمة.
نكاح المتعة
نكاح
المتعة: أن
يتزوج الرجل المرأة مدة من الزمن مشترطة في العقد.
ونكاح
المتعة عند القائلين به لا ميراث فيه، وتقع الفرقة بانقضاء الأجل، وهو بهذا يخالف
النكاح.
حكم
نكاح المتعة:
ذهب جماهير العلماء إلى تحريم نكاح المتعة، وقالوا ببطلانه،
ويجب فسخ هذا النكاح قبل الدخول وبعده، وخالف زفر من الحنفية فعدّ نكاح المتعة
ثابتًا والشرط باطلًا.
المبطل
في نكاح المتعة هو التصريح بالتأجيل في العقد، فإذا نواه في قلبه ولم يصرح به فإنه
لا يبطل، وخالف الأوزاعي فأبطل النكاح بالقصد، بدعوى أنه نكاح متعة.
وذهب ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه، وحكي عن
أبي سعيد الخدري وجابر إلى صحة نكاح المتعة، وقيده ابن عباس بحالة الضرورة والحاجة
الشديدة: عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: سُئِلَ عَنْ
مُتْعَةِ النِّسَاءِ «فَرَخَّصَ»، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي
الحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ؟ أَوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: «نَعَمْ» صحيح البخاري.
واستدل المانعون
بقول تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى
وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" فقد مدح الله المؤمنين بحفظهم
فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وغير ذلك يعد عدوانًا، والناكح في
المتعة ملوم ومعتدٍ، فالمنكوحة فيه ليست زوجة، ولا ملك يمين، وقد قال عليه الصلاة
والسلام: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي
الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ
شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ
شَيْئًا" صحيح مسلم.
مسألة: إذا تزوج الرجل المرأة بشرط أن يطلقها مثل أن يشترط عليها
أن يطلقها إذا قدم أبوها.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
الأول: ذهب الحنابلة إلى عدم صحة هذا النكاح،
فهو شبيه بنكاح المتعة.
الثاني: ذهب أبو حنيفة والشافعي في أظهر قوليه
إلى صحة النكاح وبطلان الشرط، لأن النكاح وقع مطلقًا.
والراجح ما ذهب إليه الحنابلة، فالشرط يفيد
التأقيت، والتأقيت مبطل للنكاح.
نكاح المحلل
إذا طلق الرجل
زوجه ثلاثًا فإنها لا تحل حتى تنكح زوجًا غيره نكاحًا يطأها فيه، ونكاح المحلل هو
أن يتزوج المرأة المطلقة ثلاثًا رجل آخر بهدف أن يحللها لزوجها، وليس بهدف الزواج،
وهذا النكاح محرم وباطل، وقد جاء في الحديث: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ الرِّبَا، وَآكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ،
وَشَاهِدَيْهِ، وَالْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ".
نكاح الشغار
قال صلى الله عليه وسلم: "لا شغار في
الإسلام".
الشغار لغة الخلو، واصطلاحًا: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه
الآخر ابنته، ليس بينهما صداق.
·
حكم الشغار:
اختلف العلماء في حكم الشغار فمنهم من أبطله،
وأوجب فسخه، ومنهم من قال بصحته بشرط إبطال الشرط الفاسد فيه.
والسبب في اختلافهم أن الشغار المنهي عنه يتضمن
أمرين:
الأول: أنه خالٍ من ذكر الصداق، وجعل كل واحدة
من الزوجتين مهرًا للأخرى.
الثاني: أن إنكاح كل واحد من الرجلين مشترط فيه
أن ينكحه الآخر موليته.
وجمهور العلماء على أن علة النهي هو الأمر
الأول وهو خلوه من المهر، وكثير من هؤلاء يصححون النكاح ويوجبون مهر المثل، وحجتهم
أن النكاح يصح مع عدم فرض المهر.
وذهب بعضهم إلى أن النكاح لا يجوز مع نفي
المهر.
والمعتمد عند
الحنابلة أن علة النهي في نكاح الشغار هو اشتراط كل واحد من الرجلين على الآخر أن
ينكحه موليته، لا خلو العقد عن المهر، وعلى ذلك فإن نكاح الشغار باطل، ولو فرض فيه
المهر.
مسألة: اشتراط الزوجة طلاق ضرتها.
إذا اشترطت على زوجها طلاق ضرتها، لم يصح
الشرط: "لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، لِتَسْتَفْرِغَ
صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا".
الفصل الرابع
أهلية النكاح
-
الأهلية لغة: مؤنث الأهلي، والأهلي المنسوب
للأهل، والأهلية للأمر الصلاحية له.
اصطلاحًا: صلاحية الإنسان لما يجب عليه من
حقوق، وما يلزمه من الوجبات بعد توفر الشروط اللازمة في المكلف، لصحة ثبوت الحقوق
له والواجبات عليه.
-
مناط الأهلية العقل وفقه الخطاب، فمن لا عقل فه
فإنه فاقد للأهلية كالمجنون، والصبي غير المميز فإنه قلما يفقه، وإذا كان مميزًا
ففقهه قاصر، فلا أهلية له، وقد جاء في الحديث: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ:
عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ
حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ".
-
أجمع العلماء على عدم جواز مباشرة الصغير
والمجنون للزواج بنفسه.
سن البلوغ وأماراته
-
البلوغ لغة الوصول.
اصطلاحًا: قوة تحدث في الصغير يخرج بها من حالة
الطفولة إلى حالة الرجولة.
ومراد أهل العلم بالبلوغ: بلوغ الحد الذي يصبح
فيه الصغير مكلفًا، يجب عليه القيام بالتكاليف التي كلفه الله بها، وصحة تصرفاته
بيعًا وشراءً وزواجًا وطلاقًا.
-
أمارات البلوغ:
1-
الاحتلام: وهو خروج المني المتدفق بلذة في حال
النوم أو في حال اليقظة بالجماع، قال تعالى: " وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا
كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ..".
2-
ظهور شعر العانة: وهو الشعر الخشن الذي ينبت
حول الفرج الذي يحتاج في إزالته إلى حلق.
3-
البلوغ بالسن، واختلفوا في تحديده إلى عدة
أقوال، أرجحها أنه خمس عشرة سنة.
4-
الحيض بالنسبة للفتاة.
5-
الحمل بالنسبة للفتاة.
المقدار المحرم من الرضاع:
الفصل الخامس:
الولاية في النكاح.
- يستطيع
الرجل البالغ العاقل الراشد تولي عقد نكاحه بنفسه، ولا يحتاج إلى إذنٍ من غيره.
- اتفق
العلماء على عدم جواز عقد الصغير والمجنون زواجيهما بنفسهما.
- الولي
هو القريب الذي ولاه الله أمر تزويج من لا يجوز أن يزوج نفسه بنفسه كالمرأة
والصغير.
الحكمة من اشتراط الولاية:
شرعت
الولاية على الصغار والمجانين، لأنهم ليسوا بأهل للتصرف في أمورهم، فيحتاجون إلى
من يقوم بمصالحهم.
أما
الولاية على المرأة البالغة العاقلة، فليس المقصود منه قهر المرأة وإذلالها، بل
وراء ذلك حكم عديدة منها:
1-
صيانة المرأة عما يشعر بوقاحتها وميلها للرجال.
2-
الرجال أقدر على البحث عن أحوال الخاطب من
النساء.
3-
اشتراط الولي فيه مزيد من الإعلان عن النكاح.
4-
زواج المرأة بالرجل ليس خاصًا بها، بل هو رباط
بين أسرتين، وسيتأثر الآباء والإخوة بالعلاقة، وإذا لم تتوفق المرأة في زواجها،
فإن ذلك سينعكس على أهلها.
الولاية
على الصغير:
ذهب جماهير العلماء إلى جواز تزويج الولي للصغير والصغيرة،
ولم يخالف إلا عدد قليل، ولكن بشروط، هي:
1-
أن يكون الولي هو الأب دون سائر الأولياء على
الراجح.
2-
صلاحية الصغير والصغيرة للزواج.
3-
يشترط أن يكون الزوج كفئًا غير معيب.
ولن
نناقش المسألة، لأن القانون لا يجيز تزويج الصغار، وهو شرط قانوني ملزم.
الولاية
على المعتوه والمجنون في زواجهما:
- يجيز
جمهور العلماء للولي تزويج المجنون والمعتوه، وبعضهم يشترط إذن القاضي.
- وينبغي
اطلاع الطرف السليم على ما بالزوج والمجنون أو المعتوه من بلاء، كما ينبغي أن
يشترط ألا يكون جنونه من النوع الذي يلحق الضرر بالآخرين.
الولاية
على السفيه:
- السفيه
هو المبذر لماله المضيع له على خلاف ما يقتضيه العقل والشرع.
- والسفيه
ليس كالمجنون والصغير، فالمجنون عقله مختل، والصغير أهليته غير كاملة، أما السفيه
فلديه خفة في عقله، تعود إلى اختياره، فهو يبذر المال عالمًا بذلك راضيًا به،
يدفعه إلى ذلك غرور كاذب، وتصرفات حمقاء، ولكنه أهل للخطاب والتكليف.
حكم تزويج السفيه لنفسه:
- لا
يجيز الشافعية للسفيه الزواج من غير إذن وليه.
- يرى
الحنفية والمالكية في الأشهر عندهم صحة نكاح السفيه من غير إذن الولي، لأن الحجر
عليه في تصرفاته المالية، وقد ذهب الصاحبان أبو يوسف ومحمد إلى أنه من حق الولي
التدخل لمنع الزيادة في المهر عن مهر المثل، وأجاز الحنابلة العقد للحاجة.
والراجح هو صحة نكاح السفيه من غير إذن وليه،
لقدرته على اختيار المرأة المناسبة، وللولي التدخل لمنع السفه والتبذير في المهر
والهدايا.
الولاية على
المرأة البالغة العاقلة.
اختلف
العلماء في مدى لزوم الولي في نكاح المرأة البالغة العاقلة إلى عدة مذاهب، وهي:
1-
ما ذهب إليه الجمهور وعلى رأسهم الإمام مالك
والشافعي وأحمد وهو اشتراط الولي في تزويج المرأة البالغة العاقلة، لا فرق بين
البكر والثيب.
2-
ذهب الإمام أبو حنيفة وغيره إلى عدم اشتراطه،
والولي في النكاح مندوب إليه، وليس بشرط.
3-
قال داود الظاهري باشتراطه في البكر دون الثيب.
4-
ذهب ابن سيرين والقاسم بن محمد إلى أن المرأة
إذا زوجت نفسها من غير ولي كان زواجها موقوفًا على إجازة الولي، فإن أجازه صح، وإن
لم يجزه لم يصح.
أدلة
الجمهور الذين ذهبوا إلى وجوب الولي:
1-
يقول تعالى: "الرجال قوامون على
النساء..".
وجه
الدلالة: إن الآية نصت على أن الرجال قوامون على النساء، والولاية هي جزء من
القوامة.
2-
يقول تعالى: "وأنكحوا الأيامى
منكم.."، "ولا تنكحوا المشركين.."
وجه
الدلالة: تأمر الآية الأولى الرجال بالإنكاح، وتنهاهم الآية الثانية عنه، ولو كان
أمر تزويج النساء عائدًا إليهن، لما وجه الخطاب إلى الرجال.
3-
قال تعالى في الإماء: "وانكحوهن بإذن
أهلهن"
وجه
الدلالة: هذه الآية تشترط لصحة النكاح إذن ولي الأمة، وهذا يدل على أنه لا يكفي
عقدها لنفسها.
4-
قال تعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ..".
وجه
الدلالة: إن المخاطب بالنهي عن العضل هم الأولياء، ولو كان للمرأة أن تزوج نفسها
بغير وليها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم.
ويرى
الحنفية أن الخطاب في الآية موجه للأزواج، ولكن ما يقوي مذهب الجمهور، ما رواه
البخاري أن معقل بن يسار قال: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا،
حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ
وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لاَ
وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ بِهِ،
وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الآيَةَ: "فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ" [البقرة: 232] فَقُلْتُ: الآنَ
أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ".
الأدلة
من السنة:
1-
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح
إلا بولي".
2-
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ
نكَحَتْ بغيرِ إذن مَوَاليها فنِكاحُهَا بَاطِلٌ" ثلاثَ مرات.
3-
قول النبي صلى الله عليه وسلم: " "لَا
تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ
الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا".
4-
عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ, قَالَ: جَمَعَتِ
الطَّرِيقُ رَكْبًا فَجَعَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ ثَيِّبٌ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ
غَيْرِ وَلِيٍّ فَأَنْكَحَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، "فَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ
وَرَدَّ نِكَاحَهَا".
أدلة الفريق الثاني القائلين بعدم اشتراط
الولي:
1-
قال تعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ..".
وجه الدلالة من وجهين، أحدهما: أنه أضاف النكاح
إلى النساء، فدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي، والثاني أنه نهى
الأولياء عن المنع من نكاحهن أنفسهن إذا تراضى الزوجان.
2-
قوله صلى الله عليه وسلم: ""الأيِّم أحقُّ بنفسها
من وليّها، والبكر تُستأذَن في نفسها، وإذْنها صُماتها".
واعترض
على هذا الاستدلال بأن هذا الحديث لا يعارض النصوص الدالة على اشتراط الولاية،
غاية ما تدل عليه أن للولي حقًا في تزويج الثيب، وللثيب حق في تزويج نفسها، وحقها
أرجح من حقه، وهذا ما تدل عليه صيغة التفضيل "أحق"، ولما كان حقها بهذه
المثابة لم يجز تزويجها بدون استئذانها، وتصريحها بالموافقة.
كيف
احتاط أبو حنيفة لحق الولي؟
لم
يلغِ أبو حنيفة حق الولي عندما لم يشترطه في زواج المرأة البالغة العاقلة كما
اشترطها الجمهور، فإنه أعطاه حق إيقاف العقد وإبطاله إذا لم يكن الزوج كفئًا، كما
توسع في الخصال التي تدخل في الكفاءة فهي عنده ستة: [النسب، الإسلام، الحرية،
المال، الديانة، الحرفة] كما أعطاه الحق في المطالبة بفسخ العقد إذا كان المهر أقل
من مهر المثل.
حكم إجبار
المرأة البالغة
العاقلة على
الزواج.
· لا
يعني اشتراط الولي في النكاح، أنه يحق له أن يكره الفتاة على الزواج بشخص لا
ترضاه.
· أولًا:
إجبار الولي المرأة الثيب:
- اتفق
العلماء باستثناء عدد قليل على منع إكراه المرأة الثيب البالغة العاقلة على
الزواج، ومن أدلتهم:
1-
عن خنساء بنت خِذام الأنصارية: أن أباها زوَّجها
وهي ثَيِّب فَكَرِهَتْ ذلك، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتْ ذلك له، فَرَدَّ
نكاحَها.
2-
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ليس للولي مع الثيّب أمر، واليتيمة تَستأمرُ، فصمتُها إقرارُها".
3-
قوله صلى الله عليه وسلم: "الأيِّم أحقُّ بنفسها
من وليّها، والبكر تُستأذَن في نفسها، وإذْنها صُماتها".
4-
واستدلوا من المعقول بأن الثيب البالغة رشيدة
عالمة بالمقصود من النكاح، فلم يجز إجبارها عليه.
مسألة:
إذا زوج الولي الثيب بغير إذنها، ثم أجازت العقد.
- ذهب
الجمهور إلى صحة العقد، ولا يحتاج إلى استئناف.
- ذهب
الشافعية إلى أنه لا بد من استئناف العقد، ولا يصح العقد السابق عليها إلا بإذنها.
مسألة:
من زالت بكارها بغير زواج.
إذا
زالت البكارة بالزنا فلا يجوز إجبارها على الزواج عند الشافعي وأحمد، وأجاز أبو
حنيفة ومالك إجبارها، أما إذا زالت البكارة بوثبة أو إصابة، فهي كالبكر عند الأئمة
الأربعة.
ثانيًا/
إجبار البكر البالغة العاقلة.
اختلف
العلماء في جواز تزويج البكر البالغة بغير إذنها إلى قولين:
القول
الأول: يجوز
للولي تزويج البكر بدون إذنها، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما.
القول
الثاني: ليس
له ذلك، وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي ثور وغيرهم.
واستدل
الذين لم يجيزوا للولي إجبار المرأة البالغة العاقلة على الزواج، بعدد من الأدلة
منها:
1-
الأحاديث المشترطة استئذان البكر في نكاحها،
مثل: "والبكر تستأذن في نفسها"، "والبكر يستأذنها أبوها"،
وحديث" ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، وقد بوب الإمام البخاري على الأحاديث
الناهية عن إنكاح الثيب حتى تستأمر، والبكر حتى تستأذن، بقوله: "باب لا ينكح
الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما".
2-
النصوص المصرحة برد الرسول صلى الله عليه وسلم
نكاح من زوجها وليها من غير إذنها: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي
خَسِيسَتَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ
أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ
الْأَمْرِ شَيْءٌ.
3-
تزويج الفتاة مع كراهيتها مخالف للأصول
والعقول، والإسلام لم يسوغ للولي أن يكرهها على بيع أو إجارة، فكيف يكرهها على
معاشرة من تكره معاشرته؟! والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة.
4-
إذا وقع شقاق بين الزوجين، فإن الشريعة جعلت
للزوجة سبيلًا للخلاص من زوج لا تريده، سواء من خلال التفريق عن طريق الحكمين أو
الخلع.
فإذا كانت الشريعة قد شرعت للمرأة الخلاص من زوجها في حال
كراهتها له، فكيف يجوز تزويجها إياه ابتداءً؟!
ولا يعني اشتراط إذنها أن الولي غير ملزم في نكاحها،
فالصواب من القول أنه يجب اتفاق إرادتها وإرادة وليها في التزويج.
عضل
الولي:
العضل
هو منع الولي موليته من الزواج.
إذا
ارتضت المرأة رجلًا وكان كفئًا، فليس لوليها منعها من التزوج به، فإن منعها من
التزوج في هذه الحالة فهو فعل أهل الجاهلية، وتنتقل الولاية إلى غيره، فذهب
الشافعي إلى أن الولاية تنتقل في حالة العضل إلى الحاكم.. وذهب أبو حنيفة إلى أنها
تنتقل إلى الولي الأبعد بشرط أن يكون كفئًا، فإن امتنع الأولياء جميعًا انتقلت
الولاية إلى الحاكم قولًا واحدًا.
مسألة:
إذا وجدت المرأة في مكان لا يوجد فيه للمسلمين سلطان، ولا ولي لها مطلقًا، كأن
كانت في بلاد الكفر.
تزوجها مؤسسة إسلامية موجودة هناك، أو أي رجل
مطاع، أو أي رجل عدل، يقول الجويني: "فَإِذَا
لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ، وَشَغَرَ الزَّمَانُ عَلَى السُّلْطَانِ،
فَنَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ حَسْمَ بَابِ النِّكَاحِ مُحَالٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَنْ أَبْدَى فِي ذَلِكَ تَشَكُّكًا،
فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِوَضْعِ الشَّرْعِ، وَالْمَصِيرِ إِلَى سَدِّ بَابِ
الْمَنَاكِحِ يُضَاهِي الذَّهَابَ إِلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِسَابِ" [غياث
الأمم: الجويني، 389]
·
أولياء
المرأة الذين لهم حق تزويجها والأولى منهم بالتزويج:
-
أولى الناس
بتزويج المرأة عصبتها، والعصبة هم أقارب الرجل من أبيه... ولا يكون أقارب الرجل
عصبة له حتى يكونوا من الذكور، ويُدلوا إلى الميت بالذكور، وهم الذين يسمون العصبة
بالنفس.
وجمهور
العلماء يرون أنه لا ولاية لغير العصبة بالنفس، فإن عدموا انتقلت الولاية إلى
السلطان، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الولاية تنتقل إلى بقية الأقارب حسب قوة
قرابتهم، فتنتقل عنده إلى الأم والبنات و.. والأولى بتزويج المرأة من أقاربها
أقربهم إليها، لأنه أحرى أن يراعي مصلحتها.
والرأي الراجح أن الأب هو الأولى بتزويج المرأة، ثم
الجد، ثم الأبناء، ثم أبناؤهم، ثم الإخوة الأشقاء، ثم الإخوة لأب، ثم أبناء الإخوة
الأشقاء، ثم أبناء الإخوة لأب، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم.
الشروط التي
يجب توفرها في الولي:
أولًا: الشروط
المتفق عليها:
1-
الذكورة.
2-
العقل: لأن من
لاعقل له لا يستطيع أن يراعي مصلحة نفسه، فكيف يراعي مصلحة غيره؟
3-
البلوغ.
4-
الإسلام: "ولن
يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا".
مسألة:
إذا تزوج مسلم ذمية.. فهل يجوز أن يلي أمرها وليها الكافر؟
ذهب
أبو حنيفة والشافعي والحنابلة في قول إلى جواز ذلك، وذهب الحنابلة في قول آخر إلى
أنه لا يجوز ذلك، ويزوجها الحاكم.
ثانيًا/
الشروط المختلف عليها:
1-
الحرية: وقد اشترطها الأكثرون، ولا يجيزون
للعبد أن يكون وليًا في النكاح لأنه لا ولاية له على نفسه، والحنفية يجيزون ولاية
العبد، لأنه يجيزون لها أن تزوج نفسها.
2-
العدالة: وقد ذهب أكثر العلماء إلى عدم
اشتراطها، واشترطها الشافعي وأحمد في قول.
3-
[النطق، والبصر، وأن يكون وارثًا]: والصواب
عدم اشتراط هذه الأمور.
الفصل السادس:
الشهادة على عقد النكاح
- اتفق
العلماء على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود ولا إعلان.
- واتفقوا
أيضًا على صحة النكاح الذي شهد عليه رجلان فصاعدًا وتم الإعلان عنه.
- واختلف
العلماء في:
· الزواج
الذي شهد عليه الشهود، ولكنهم لم يعلنون للناس، وتواصوا بكتمانه.
· الزواج
الذي أعلن عنه، ولم يحضر العقد أحد من الشهود.
مذاهب
العلماء في اشتراط الشهادة على عقد الزواج:
القول
الأول: ذهب
الإمام مالك إلى أن الإشهاد ليس بشرط، والشرط هو الإعلان في النكاح.
لذلك
يرى المالكية أن النكاح الذي يشهد عليه الشهود، ويطلب من الشهود الكتمان وعدم
الإعلان فهو نكاح سر، ويجب التفريق بين الزوجين بتطليقة، ويرى مالك صحة النكاح من
غير إشهاد على العقد، إذا كان من غير استسرار.
القول
الثاني: ذهب
أبو حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه إلى أن الإشهاد شرط لصحة النكاح، وإن
وجود شاهدين هو الحد الأدنى في الإعلان الواجب في النكاح.
أدلة
القائلين بعدم اشتراط الشهود:
استدل
المالكية على قولهم بعدد من الحجج والأدلة، نلخصها فيما يلي:
1-
عدم وجود دليل صحيح يدل على اشتراط الشهود.
2-
لو كان الإشهاد شرطًا لبينه الرسول عليه الصلاة
والسلام، وذلك لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والمسلمون محتاجون أشد
الحاجة لبيان مثل هذا الشرط.
3-
لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذا الشرط
لحفظه أصحابه ونقلوه لنا، خاصة وأنهم نقلوا أمورًا في الزواج تقع قليلًا كالنهي عن
نكاح الشغار، ونكاح المُحرم.
4-
الذين يشترطون الشهود مختلفون فيما بينهم،
فبعضهم يجوزه بشاهدين فاسقين، وبعضهم يشترط العدالة، وعدم اتفاقهم يدل على فساد
الشرط.
5-
أمر الشارع بإعلان النكاح، فأغنى إعلانه مع
دوامه عن الإشهاد، كالإشهاد للنسب فإن النسب لشهرته لا يحتاج إلى شهود، فالكل يعلم
أن فلانة زوجة فلان وقد أنجب منها هؤلاء الأولاد.
6-
إن الشهود قد يموتون وتتغير أحوالهم، وهم
يقولون: إن مقصود الشهادة إثبات الفراش عند التجاحد حفظًا لنسب الولد، وهذا حاصل
بالإعلان، ولا يحصل بالإشهاد مع الكتمان.
7-
لم تكن عادة السلف أن يكلفوا إحضار شاهدين، بل
كانوا يكتفون بإعلان الزواج بين الناس.
8-
استدلوا بأن النبي عليه السلام أعتق صفية، ثم
تزوجها من غير شهود.
واعترض الفريق الثاني بأن هذا خصوص للنبي عليه
السلام.
9-
إذا كان عقد البيع الذي أمر الله فيه بالإشهاد
عند العقد قد قامت الدلالة بأن الإشهاد ليس من فرائض البيع، فكيف بالنكاح الذي لم
يذكر فيه الإشهاد أصلًا؟!
أدلة
الفريق الثاني القائلين باشتراط الشهادة في عقد النكاح:
1-
قال صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا
بولي وشاهدين" صححه الألباني.
2-
إن النكاح يخالف سائر العقود في تجاوزه عن
المتعاقدين إلى ثالث، وهو الولد الذي يلزم حفظ نسبه، لذلك خالف بقية العقود في
وجوب الشهادة عليه حفظًا لنسب الولد الغائب.
3-
إن الإشهاد في النكاح يفرق بين النكاح والسفاح،
فالسفاح يحرص أهله على الإسرار به وعدم إعلانه، والإشهاد يظهر النكاح ويشهره.
ملاحظة: هذا الاختلاف لا أثر له اليوم، لأن عقود
النكاح لا تسجل إلا إذا أشهد عليها، وإذا أشهد عليها وسجلت فقد أعلن عنها، وبذلك
تكون صحت على جميع المذاهب.
الشروط التي يجب توافرها في الشهود عند من
يشترطون الشهادة:
1-
العقل.
2-
البلوغ.
3-
الإسلام: ولا خلاف في ذلك إذا كان الزوجان
مسلمين، وأما إذا كانت الزوجة ذمية، فأجاز أبو حنيفة وأبو يوسف شهادة الذمي في هذه
الحالة، ورفض الشافعية والحنابلة مستدلين بحديث: "لا نكاح إلابولي وشاهدي
عدل" وغير المسلم ليس بعدل.
4-
الذكورة: وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وأجاز
الحنفية شهادة رجل وامرأتين.
5-
العدالة وقد اشترطها الشافعية والحنابلة، ولم
يشترطها الحنفية، والخلاف بين الفريقين ليس بعيدًا لأن من يشترط العدالة يقصد بها
هنا أن يكون الشاهد مستور الحال.
6-
أن يكونا سامِعَين الإيجاب والقبول، فاهمين
المقصود بهما، فلا قبل شهادة الأصم والذي كان نائمًا أثناء العقد.
مسألة: هل تقبل شهادة عدوين أو ابني الزوجة أو
أحدهما.
وجهان للعلماء، الأول: تقبل لعموم حديث:
"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج،
فانعقد بهما نكاحه... الثاني: لا ينعقد بشهادتهم، لأن العدو لا تقبل شهادته
على عدوه، والابن لا تقبل شهادته لوالده.
تسجيل عقد الزواج، والزواج العرفي
أولًا: تسجيل عقد الزواج:
·
لم تشترط الشريعة أن يجري عقد الزواج على يد
قاضٍ أو عالم، ولم تحدد مكانًا لكتابته.
·
ابتدأت كتابة العقود عندما بدأ المسلمون يؤخرون
المهر أو شيئًا منه، وصارت هذه الوثائق لإثبات الزواج.
· نتج
عن عدم تسجيل عقود الزواج مشكلات عديدة، منها:
1-
ادعاء بعض ضعاف الإيمان الزوجية باطلًا،
ويحضرون شهود كذبة.
2-
نفي بعض الناس الزوجية تهربًا من الحقوق
المترتبة.
لذلك نصت معظم قوانين الأحوال الشخصية في
البلاد الإسلامية على وجوب توثيق عقد الزواج، والشريعة تشجع ذلك لما فيه من
المصالح.
ثانيًا: الزواج العرفي
·
إذا اقترن رجل بامرأة من غير عقد، أو بعقد لم
تتوفر فيه شروطه، فإن هذا لا يعد عقدًا، أو هو عقد باطل.
·
يطلق
الزواج العرفي على عقد لم يسجل في المحكمة، ولم يجرِ على يد مأذون، ولم تصدر فيه
وثيقة الزواج، لكنه يتوفر فيه الإيجاب والقبول والمهر وبقية الشروط، وخلي من
التأقيت، فإنه عقد صحيح شرعًا، ولا يبطل بعد تسجيله، وإن كان العاقدان فعلا فعلًا
مخالفًا للقانون، ويستحقان المعاقبة والإثم.
·
إذا
تواصى العاقدان بالكتمان وعقداه سرًا، وخلا من الإعلان والشهود والولي فهو باطل
بإجماع المسلمين.
·
مسألة:
تزوج امرأة بحضور وليها، وشهد الشهود على العقد، لكن تواصى الجميع بالكتمان.
يرى
الإمام مالك عدم صحة العقد، لأن شرط النكاح عنده الإعلان لا الإشهاد، ويرى الجمهور
أن الإعلان يتحقق بالإشهاد عليه، وهذا هو الراجح.
·
ما
هي الأسباب التي تدعو بعض الأزواج لإجراء عقد الزواج بعيدًا عن المحاكم؟
1-
إن
بعض الأزواج لا تتوافر فيه الشروط القانونية، كأن يكون دون السن المنصوص عليها
بالقانون.
2-
أن
بعض الأزواج لا يملك الإثباتات الرسمية كالهوية الشخصية، أو جواز السفر، لأنه دخل
من غير إذن، أو لأنه مطارد للدولة.
3-
قد
يرغب بعض الأزواج في كتمان الزواج لما يحدث له الإعلان من مشكلات مع زوجه الأولى
وأولاده، وقد تخفي الزوجة الزواج عن أهلها إذا تزوجت برجل لايقبله أهلها.
حكم
الزواج العرفي:
الزواج العرفي الذي توفرت فيه أركان عقد
الزواج وشروطه زواج صحيح شرعًا، وإذا تقدم الزوجان اللذان عقداه إلى المحكمة،
وقدما الإثباتات الصحيحة الدالة على وقوع زواجهما، فإن القاضي يصدر لهما وثيقة
زواج، ولكنهما ينالان العقاب المنصوص عليه في قانون العقوبات الخاص بالدولة.
خطورة
هذا النوع من العقود:
1-
العقوبة
القانونية التي تقع على العاقدين من الدولة.
2-
قد
لا يستطيع الزوجان إثبات العقد مع الرغبة في ذلك لأي سبب كان، فيتضرر الأولاد
ضررًا بالغًا، كأن يهلك الوالدان أو أحدهما قبل تسجيل العقد.
3-
قد
ينتفي أحد الزوجين من الأولاد فيتضرر الطرف الآخر، وغالبًا تكون المرأة هي الخاسر
الأكبر.
الفصل السابع:
الشروط في النكاح
·
الشرط
عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، أو
هو ما لا يوجد الشيء بدونه، ولا يلزم أن يوجد عنده، ومثاله الوضوء شرط لصحة
الصلاة.
والشرط
قد يكون مشترطًا من الشارع، وقد يشترطه أحد العاقدين، وبحثنا هنا فيما يشترطه أحد
العاقدين على العاقد الآخر.
أنواع
الشروط في النكاح:
1-
الشروط
الموافقة لمقصود عقد النكاح.
2-
الشوط
المخالفة لمقصود الشرع في النكاح.
3-
الشروط
التي لم يأمر بها الشرع، ولم ينهَ عنها وفيها مصلحة لأحد الطرفين.
النوع الأول: الشروط الموافقة
لمقصود العقد:
· اتفق أهل العلم على صحة هذا النوع من
الشروط، كاشتراط الزوجة النفقة أو العشرة بالمعروف أو العدل بينها وبين ضرائرها.
النوع الثاني: الشروط التي تنافي
مقصود النكاح أو تخالف الشرع:
·
اتفق
العلماء على عدم صحة الشروط التي تخالف الشرع، كأن تشترط على زوجها ألا تطيعه، أو
أن تخرج من غير إذنه، أو أن يشترط عليها ألا مهر لها ولا نفقة، أو أن تشترط عليه
ألا يطأها.
وقد
وضع العلماء قاعدة فقهية، تقول: "ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت
بالشرط".
حكم العقود التي اشترط فيها شرط
فاسد:
- اتفق العلماء على بطلان الشروط الفاسدة،
واختلفوا في إبطال هذه الشروط للعقود التي اشترطت فيها إلى ثلاثة أقوال:
القول
الأول: ذهب جمع من العلماء إلى بطلان العقود
التي اشترط فيها شروط فاسدة.
القول
الثاني: الشروط الفاسدة لا تبطل النكاح، إلا
إذا اشترط التأقيت في العقد، وهو قول الحنفية.
وعلى ذلك فالأنكحة المنهي عنها عند
الحنفية صحيحة كنكاح الشغار والتحليل، إذا أبطلت الشروط الفاسدة، ولا يبطل من
الأنكحة المشترط فيها شرط فاسد إلا نكاح المتعة والنكاح المؤقت.
وحجتهم أن عدم تعيين المهر وتقديره
والاتفاق عليه عند العقد لا يبطل العقد بإجماع العلماء، فاشتراط عدمه لا يبطل
النكاح، ومثل ذلك غيره من الشروط، فإ أبطلت هذه الشروط كان العقد صحيحًا.
القول
الثالث: فرق الشافعية والحنابلة بين نوعين من
الشروط، فاعتبروا أن بعض الشروط تبطل فقط ويصح العقد، وهناك شروط تبطل العقد من
أصله.
وضابط
النوع المبطل أن يكون مخلًا بمقصود النكاح، ومثلوا باشتراط الطلاق أو عدم الوطء في
العقد، أو نكاح المتعة والشغار.
أما
الشروط التي يصح معها عقد النكاح فهي التي لا تخل بالمقصود الأصلي للنكاح، مثل: أن
تشترط خروجها متى شاءت، أو طلاق ضرتها، وذكر النووي الشروط الجائزة أيضًا.
أدلة
الذين أبطلوا عقد النكاح بكل شرط باطل:
1-
إن
الشرع نهى عن الأنكحة التي فيها شرط فاسد كنكاح الشغار، والنهي يقتضي البطلان.
2-
لقد
أبطل الصحابة هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار، واعتبروا نكاح
التحليل سفاحًا.
3-
إذا
صححنا العقد مع إبطال الشروط الفاسدة، نكون قد ألزمنا العاقدين بعقد من غير رضاهما
أو أحدهما.
4-
قياس
الأولى: فالبيع لا يجوز إلا بالتراضي: "إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ
منكم" والنكاح أولى بعدم الجواز إذا لم يكن بالتراضي.
النوع الثالث: الشروط التي لم يأمر
الشرع بها، ولم ينهَ عنها ولا تنافي مقصود العقد:
مثل أن تشترط الزوجة
على زوجها ألا يخرجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها، أو أن تستمر في عملها المباح
شرعًا.
اختلف العلماء في هذا
النوع من الشروط على قولين:
الأول: ذهب الحنابلة إلى القول بصحتها
ووجوب الوفاء بها، فإن لم يفِ المشترط عليه بها، فإن للطرف الآخر حق فسخ النكاح.
الثاني: ذهب جمهور العلماء إلى بطلان
هذه الشروط، مع تصحيح العقد.
أسباب الخلاف:
السبب الأول:
اختلافهم في الشروط في العقود، هل الأصل فيها الحظر أم الإباحة؟
فمن صحح هذا النوع من الشروط قال بأن
الأصل في الشروط الإباحة، والذين قالوا بأن الأصل الإباحة أجاز هذه الشروط.
والقول بالإباحة هو الأرجح، وقد استدل
له ابن تيمية بعموم الأدلة التي
تحث على الوفاء بالعقود.
السبب
الثاني:
اختلافهم في فهم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ
شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ،
وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وسبب
ورود الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها أرادت شراء أمة، فأبى أصحابها إلى أن
يكون ولاؤها لهم.
كيف
فهم الذين أبطلوا الشروط الحديث؟
قالوا
معنى قول النبي: (ليس في كتاب الله) أي ليس في حكم الله، أي مخالف لشرع الله،
فيكون باطلًا.. والعلة عندهم أن هذه الشروط تخالف مقتضى العقد، وذلك لأن العقود
توجب مقتضياتها بالشرع، فيعتبر تغييرها تغييرًا لما أوجبه الشرع، بمنزلة تغيير
العبادات.
الرد
على استدلالهم:
1-
فهموا
الحديث بطريقة أخرى كما سيأتي.
2-
ليس صوابًا القول بأن الشروط التي لم ينهَ
الشارع عنها فيها تغيير لما شرعه الله، لأن هذه الشروط لم يأمر بها الشرع، ولم
ينهَ عنها، ولم تخالف مقصد العقد فهي مباحة وتقع ضمن دائرة العفو، والمباح يجوز
فعله، ويجوز تركه.
3-
إن قولهم إن هذه الشروط تنافي مقتضى العقد غير
صحيح، فالمحذور هو منافاة الشرط المقصود بالعقد كاشتراط الطلاق في العقد، وذلك لأن
اشتراط ما ينافي مقصود العقد جمع بين متناقضين.
**
كيف فهم الذين أجازوا الشروط الحديث؟
فهموا
الحديث من وجهين:
الأول
معنى ليس في كتاب الله أي لا يوجد نفيه في كتاب الله، فإن كان في كتاب الله تحريمه
فهو باطل، وإن لم يوجد ما يدل على بطلانه فهو صحيح.
الثاني:
المراد بكونه في كتاب الله أي أن الشارع أباحه، فإذا كان المشروط فعلًا أو حكمًا
أباحه الله جاز اشتراطه، وإن لم يُبِحه لم يجز اشتراطه.
القول
الراجح هو صحة الشروط الجائزة في عقد النكاح، ويدل على صحة هذا القول أمور، منها:
1-
قوله
عليه السلام: "أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ
مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ".
2-
النصوص التي أجازت الشروط في غير النكاح، وذلك
لأن باب العقود واحد، كقوله عليه السلام: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ
فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ"، وقد اشترى
رسول الله جملًا من جابر واشترط جابر ظهره إلى المدينة.
3-
استدلوا بقول صلى الله عليه وسلم: "الصُّلْحُ
جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ" زَادَ أَحْمَدُ، "إِلَّا صُلْحًا
أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا" وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ،
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ
عَلَى شُرُوطِهِمْ".
4-
فقه الصحابة حيث أفتوا به وحكموا به، فقد قال
عمر: " كل شَرْطٍ خالَفَ كَتابَ اللهِ فهو باطل، وإنِ اشتَرَطَ مائةَ
شَرطٍ"، وقَالَ رَجُلٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: تَزَوَّجْتُ هَذِهِ وَشَرَطْتُ
لَهَا دَارَهَا، وَإِنِّي أَجْمَعُ لِأَمْرِي أَوْ لَشَأنِي أَنِّي أَنْتَقِلُ إِلَى
أَرْضِ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: هَلَكَتِ الرِّجَالُ
إِذًا، لَا تَشَاءُ امْرَأَةٌ أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَهَا إِلَّا طَلَّقَتْ، فَقَالَ
عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شَرْطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ حُقُوقِهِمْ.
الفصل الثامن:
الكفاءة في النكاح
مر معنا في السابق:
- إن الولي
شرط في صحة النكاح عند الجمهور.
- ليس من
حق الولي إجبار موليته على النكاح من غير رضاها.. فإذا توافقت إرادة المرأة ووليها
على القبول بالخاطب مضى العقد، وإذا رفضت المرأة فلا يجوز إكراهها.
لكن الإشكال: لو رضيت المرأة بالخاطب ولم يرضَ
الولي فلا يجوز للولي منعها من الزواج إلا إذا الزواج غير كفء، ومن هنا تأتي أهمية
الكفاءة.
الكفاءة لغةً: النظير والمثيل والمساوي.
اصطلاحًا: أن يكون الرجل مساويًا للمرأة ونظيرها، أو هي
أمر يوجب عدمه عارًا، والمراد بالمساواة في الزواج في خصال محدودة كالدين والنسب
وغيرها.
· الكفاءة
تعتبر في جانب الرجل لصالح النساء، ومما يدلل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
تزوج من قبائل العرب، وتزوج أم المؤمنين صفية بنت اليهودي حيي بن أخطب، والرسول لا
مكافئ له، ويدل على ذلك من المعقول أيضًا أن الرجل لا يعيّر بالمرأة التي يتزوجها،
لكن المرأة وأهلها يُعَيَّرون.
·
مذاهب العلماء في حكم الكفاءة:
القول الأول: إن الكفاءة غير معتبرة إلا في الدين والصلاح.
القول الثاني: الكفاءة شرط لزوم لعقد النكاح، بمعنى أن عقد
النكاح إذا عقد مع وجودها صح النكاح، وإن عقد مع عدم وجودها برضا المرأة والأولياء
صح أيضًا، لكن من لم يرضَ من الأولياء فله فسخ النكاح وهذا قول الجمهور.
القول الثالث: الكفاءة شرط صحة، فلا يصح النكاح بدونها.
· أدلة القول
الأول الذين لا يعدون الكفاءة إلا في الدين والصلاح:
ودليلهم
أن الإسلام يرى أن الناس متساوون لا يفضل بعضهم على بعض إلا بالتقوى: "إن
أكرمكم عند الله أتقاكم"، "إنما المؤمنون إخوة"، وقال رسول الله:
"إن ربكم واحد، وأباكم واحد، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"
وغيرها من النصوص التي تؤكد هذا المعنى.
واستدلوا
أيضًا بأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام، وصحابته؛ فقد زوج رسولنا الكريم ابنة
عمته زينب بنت جحش إلى مولاه زيد بن حارثة، وقد كان الصحابة يزوجون بناتهم
للأتقياء حتى لو كانوا فقراء أو موالي.. فنلاحظ أن المنهج الذي اختطه النبي صلى
الله عليه وسلم وصحابته أن الكفاءة، إنما هي في الدين والصلاح بغض النظر عن
المستوى الاجتماعي.
· أدلة الذين
يعدون الكفاءة في النكاح شرط لزوم:
قالوا إن الزواج يقوم على رضا كل من المرأة
وأوليائها بالخاطب، فلا يجوز أن يكون بالإكراه.
-
قال تعالى: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن
إذا تراضوا بينهم بالمعروف.."
وجه الدلالة: إن المعروف في الآية تزويج الكفؤ،
فلو أن المرأة رضيت بغير المعروف، فمن حق الأولياء العضل.
تعليق: يحث الإسلام على أن يكون الاختيار ضمن دائرة
الأتقياء، وهم الذين يقومون بالواجبات، ويتجنبون المحرمات كحد أدنى، ولكن هذه
الدائرة واسعة تشمل الألوف بل مئات الألوف، أو الملايين من المسلمين، فلا ضير على
المرأة وأولياؤها أن يختاروا الأفضل من هؤلاء، فلو اجتمع التقوى مع المال والحسب
فهو فضل فوق فضل، فالمرأة الرقيقة تريد زوجًا مثلها، ولا تقبل بضرّاب للنساء.. ولا
تقبل التي عاشت في القصور بزوج فقير يعيش في كوخ، ومن الأدلة التي تعزز هذا الفهم:
- عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ،
مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي
الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ
عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».
- كَانَتْ
حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ
رَجُلًا دَمِيمًا، فَقَالَتْ: يا رسول الله، وَاللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ
إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ، لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" قَالَتْ:
نَعَمْ. قال: فَرَدَّتْ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ، قَالَ: فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-
قالت فاطمة بنت قيس: إِنَّ زَوْجَهَا
طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي»، فَآذَنْتُهُ،
فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَهْمٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ،
لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ
أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ» فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ، أُسَامَةُ،
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَاعَةُ اللهِ،
وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ»، قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ، فَاغْتَبَطْتُ.
إن هذه الأحاديث لم تلغِ مقاييس الناس التي
يطلبونها فيمن يتقدم لابنتهم، أو مقاييس المرأة التي تريدها في زوجها.
واستدلوا من المعقول بأن عدم اعتبار الكفاءة
يؤدي إلى النزاع والخصام ومن ثم الطلاق.
·
التوفيق بين الاتجاهين:
نلاحظ أن أكثر أصحاب القول الثاني يرون أن
الشريعة جعلت الكفاءة حقًا للمرأة وأوليائها، ولم تجعلها حقًا خالصًا لله لا يجوز
التنازل عنه بحال، فإذا رضيت المرأة وأهلها بغير الكفي فالزواج صحيح، وإذا رفض
الأولياء أو بعضهم أو المرأة لم يصح.
ثالثًا: أدلة القائلين بأن الكفاءة شرط صحة هو
رواية عن أحمد.
يرى هذا الفريق أن الكفاءة حق لله، وإن تزوجت
المرأة بغير الكفء حتى لو كان برضاها أو رضى أوليائها فيجب على القاضي فسخ العقد.
ومن يضيق من دائرة الكفاءة ويجعلها في الدين
فقط كالإمام مالك، يكون قريبًا من الفريق الأول، لكن من يوسع فالخلاف معه كبير.
وقد استدلوا بعدد من الأحاديث الضعيفة، وعدد من
الأحاديث الصحيحة غير الصريحة:
1-
قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا لا تزوج
النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء".
وهو حديث موضوع.
2-
"العرب أكفاء بعضهم لبعض، قبيلة لقبيلة،
وحي لحي، ورجل لرجل، إلا حائكًا أو حجامًا" وهو حديث باطل.
3-
"تخيروا لنظفكم، وأنكحوا الأكفاء"
وهو حديث ضعيف.
وأما الأحاديث الصحيحة التي استدلوا بها، منها:
1-
قول النبي
صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ
بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»
إن هذا الحديث صحيح، ولكنه لا يدل على وجود
أحكام شرعية تتعلق بقريش، بدليل أن الإمامة في الصلاة لا علاقة لها بالنسب: " "يَؤُمُّ
الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً
فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانَتْ الْهِجْرَةُ سَوَاءً،
فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا".
2-
قال
عليه السلام: "الحسب المال، والكرم التقوى" وإن كان الحديث مختلفًا في
تصحيحه، إلا أن معناه لا يدل على أن الكفاءة شرط صحة في النكاح، فهو حديث ممكن أن
يفهم على أنه توبيخ للناس على اغترارهم بالمال، ويؤكد ذلك قوله عليه السلام: إن
أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه: هذا المال".
3-
احتجوا بأن العبد لا يكافئ الحرة، وأن نكاحها
باطل، وقد روى البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت، فرفضت
البقاء مع زوجها.
وقالوا إذا كان الرسول جعل لها الخيار في حال
وجود النكاح وقيامه، فجعله لها في ابتداء النكاح أولى.
ممكن أن يرد عليهم بأن النبي صلى الله عليه
وسلم أعطاها الخيار، لأنها يوم أن تزوجت كانت أمة، فزوجها سيدها الذي كان يملك
رقبتها ومنافعها، فلما أعتقت امتلكت رقبتها وبضعها، فلا يعقد عليها إلا بالاختيار
فخيرها الشارع بين الفسخ والبقاء.
الخصال المعتبرة في الكفاءة
جملة الخصال التي عدها العلماء في الكفاءة ست،
هي: النسب، والدين، والصنعة، والحرية، والسلامة من العيوب، والغنى، ويضيف بعضهم
العلم والجمال.
أولًا/ الكفاءة في الدين:
-
أجمع العلماء على أن الرجل الكافر ليس بكفء
للمرأة المسلمة، ولما كان هذا الحكم متفقًا عليه، فإن كثيرًا من الفقهاء لا
يلتفتون إليه عند حديثهم في موضوع الكفاءة، وإنما الذي يبحثونه هنا فهو الدين
بمعنى الصلاح والتقوى.
واشترط جمهور القائلين بالكفاءة هذا الشرط،
وخالفهم محمد بن الحسن من الحنفية، وعدّ الإمام ابن حزم الفاسق كفئًا إلا في حالة
الفسق بالزنا.
والحكمة من وراء الأخذ بالكفاءة في الدين أن
الناس تفتخر بصلاح زوج ابنتهم، ويعيرون بفسقه، كما أن الفاسق قد يؤذي زوجه، ومن
النصوص التي يستدلون بها قوله تعالى: "الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً
أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ
ذَلِكَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ"، وقوله تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ
فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ"، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا
أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوه
تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".
ثانيًا/
الكفاءة في الحسب والنسب
الحسب مأخوذ من الشرف بالآباء والأقارب، وهو
مأخوذ من الحساب، لأنه كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر قومهم، وحسبوها، فيحكم
لمن زاد عدده على غيره.. وذهب إلى اعتبار الحسب من خصال الكفارة المعتبرة جمهور
العلماء على خلاف في أقوالهم في تحديد الأنساب [قريش – العرب – الموالي – الأعاجم]
ولا فائدة للتفصيل في ذلك.
ثالثًا/ الكفاءة في المال
ذهب إلى اعتبار المال في الكفاءة الحنفية، فلا يكون
الفقير كفئًا للغنية، لأن الناس يتفاخرون بالمال.
والأصل عدم اعتبار الكفاءة في المال عند
المالكية والشافعية، لأنه ظل زائل، ولا يفتخر به أهل المرواءات، ولم يكن النبي صلى
الله عليه وسلم من أهل اليسار، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي.
واستدل الذين يرون اعتبار المال في الكفاءة
بقول النبي عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس حينما استشارته في زواجها من
معاوية: "أما معاوية فصعلوك لا مال له".
والقائلون باعتبار الغنى في الكفاءة اختلفوا في
المقدار المعتبر في ذلك، فالجمهور يرون أنه يكفي في اليسار أن يكون الزوج قادرًا
على المهر والنفقة، وقسم بعض الشافعية – الذين اعتبروا اليسار من الكفاءة – الناس
إلى ثلاثة أقسام: فقير، ومتوسط، وغني، وكل صنف لبعضهم أكفاء.
وذكر ابن أبي تغلب الحنبلي أن المعتبر في المال
عند ابن عقيل هو حصول المقدار الذي لا تتغير به عادة المرأة في بيت أبيها.
تنبيه/ العلماء الذين لا يجعلون المال من خصال
الكفاءة، لا يقولون بوجوب التزويج مع الإعسار بالمهر والنفقة، بل إن فيهم من يوجب
الفسخ بالإعسار بذلك، وليس هذا مبنيًا على اعتبار الزوج غير كفء، بل لأنه بخسها
حقها، فهو كالغني المماطل.
رابعًا/ الكفاءة في الحرية
يرى جمهور أهل العلم اعتبار الكفاءة، فلا يكون
العبد كفئًا للحرة.
خامسًا/ الكفاءة في الصناعة والحرفة
ذهب الشافعية إلى أن أصحاب الحرف والدنيئة
ليسوا أكفاء لغيرهم، وذهب لهذا الرأي الإمام أحمد في رواية، وأبو يوسف والطحاوي من
الحنفية.
سادسًا/ الكفاءة في السلامة من العيوب
يتحدث الفقهاء عادة عن العيوب التي يجدها أحد
الزوجين في الآخر ولا تكتشف إلا بعد إبرام العقد، أو التي تحدث بعده، أما العيوب
التي يعلم بها كل واحد من الزوجين قبل العقد، أو العيوب الظاهرة، فلا يتعرض لها
الفقهاء، لأن مردها إلى رضا الطرف السليم بالمريض، وما دام قد رضي فلا إشكال.
والمعنى
الذي يجيز الفقهاء الفسخ بسبب العيب، يرجع لواحد من أمرين، هما:
1-
منع تلك العيوب الزوج السليم من الاستمتاع
بالزوج المريض، وهذا يكون في العيوب الجنسية.
2-
تنفير تلك العيوب الزوج السليم من الزوج
المريض، كأن يكون به مرض منفر.
فهذه المعاني تختلف عن المعنى الذي ينظر إليه في باب
الكفاءة، وبعضهم يدرجها في بابا الكفاءة، وهناك تفاصيل في الأمراض التي تجيز فسخ
العقد.
المرجع فيما يعتبر، وما لا يعتبر من خصال
الكفاءة.
الخصلة الوحيدة من خصال الكفاءة التي جاءت بها النصوص هي
التقوى والصلاح، وأما بقية الخصال فالمرجع فيها العرف، والعرف يتغير بتغير الزمان
والمكان.
الفصل التاسع:
المحرمات من النساء
النساء اللواتي حرمت الشريعة الزواج منهن، نوعان:
·
نوع حُرِّمن على سبيل التأبيد: كالأم والبنت.
·
نوع حُرِّمن على سبيل التأقيت: وهن اللواتي
حرمن بسبب قابل للزوال.
المحرمات على سبيل التأبيد:
وهن ثلاثة أقسام:
1-
محرمات بسبب النسب.
2-
محرمات بسبب المصاهرة.
3-
محرمات بسبب الرضاع.
أولًا/ محرمات بسبب النسب:
يحرم على التأبيد تزوج الرجل بامرأة من ذوات
رحم محرم منه، وهن أربعة:
1-
أمه وجداته.
2-
بناته وحفيداته، وإن نزلن.
3-
أخواته وبنات إخوته، وبناتهن، وإن نزلن.
4-
عماته وخالاته.
ودليل
ذلك قوله تعالى: "حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ.."
ثانيًا/
المحرمات بطريق المصاهرة:
يحرم على
التأبيد تزوج الرجل بامرأة بينه وبينها مصاهرة، وهن:
1-
زوجات أولاد
الرجل وزوجات أحفاده.
2-
أم زوجته
وجداتها مطلقًا.
3-
زوجات أب
الرجل، وزوجات أجداده: "ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ
مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً".
4-
ربائبه أي
بنات زوجته، وبنات أولاد زوجته، ويشترط أن يكون دخل بالزوجة.
يقول تعالى:
"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي
فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلابِكُمْ.."
·
متى تحرم
أم الزوجة وابنتها؟
لا تحرم الربيبة على زوج الأم إلا بعد دخوله بها، فإن
فارقها قبل الدخول أو توفيت قبله جاز له أن ينكح ابنتها: ".. مِنْ نِسائِكُمُ
اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ..".
أما العقد على البنت فإنه يحرم الأم دخل بها أو لم يدخل،
لذلك قال العلماء: "العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم
البنات" وهذا مذهب الجمهور.
ولا تحرم بنت زوجة الابن لأنها لا تسمى ربيبة.
ثالثًا/ المحرمات بسبب الرضاع:
نص القرآن الكريم على حرمة الأمهات من الرضاع، والأخوات
من الرضاع: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ
اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَة..".
وقد ذهب داود الظاهري إلى أن المحرم من الرضاع مقصور على
الأمهات والأخوات لأنه منصوص عليه، وذهب جمهور العلماء إلى أنه يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب، احتجاجًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ
مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ".
والأم من الرضاعة هي المرأة التي أرضعتك، وأمها وجداتها
وإن علت.
والأخت من الرضاعة هي كل امرأة أرضعتك أمها، أو أرضعتها
أمك، أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة، أو ارتضعت وإياها من لبن رجل واحد.
وجمهور العلماء على أن زوج المرأة التي ثار حليبها بسببه
يعد أبًا لذلك الطفل الذي رضع من تلك المرأة، وأمهاته جدات لذلك الطفل، وأبناؤه
وبناته من نسائه الأخريات أخواته من أبيه، وبناتهم بنات إخوته من أبيه، وأخوات ذلك
الرجل عماته، ودليلهم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ
عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، حَتَّى
أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّهُ
عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي
المَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ".
المقدار المحرم من الرضاع:
ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا حد للمقدار المحرم من
الرضاع، فلو رضع الطفل مرة واحدة حرمت عليه تلك المرأة، ودليلهم عموم الآية:
"وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم"..
وذهب الإمام أحمد إلى أن القدر المحرم ثلاث رضعات، محتجين بحديث: " "لا
تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ".
وذهب الإمام الشافعي إلى أن العدد المحرم خمس رضعات،
ودليلهم: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ:
عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ"
وهذا هو القول الراجح.
وقت الرضاع
المحرم:
اتفق العلماء على أن الرضاع يُحَرِّم في الحولين، وأما
رضاع الكبير فلا يحرم عند الجمهور، خلافًا لأهل الظاهر.
ودليل داود الظاهري حديث سالم مولى أبي حذيفة، ودليل
الجمهور: " قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ
الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ أَخِي مِنَ
الرَّضَاعَةِ، قَالَتْ: فَقَالَ: "انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ،
فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ"، وحديث: "لَا يُحَرِّمُ مِنَ
الرَّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ".
المحرمات على
سبيل التوقيت
يحرم على التوقيت تزوج الرجل بما يلي:
1-
النساء المتزوجات والمعتدات، وقد قال تعالى: "وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.."، وجاء تحريم العقد على المرأة المعتدة في قوله
تعالى: " وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ
أَجَلَهُ.." وبلوغ الكتاب أجله: انقضاء العدة.
2-
ويحرم على الرجل مؤقتًا التزوج إذا كان في
عصمته أربعة نساء،
ولا يحل له تزوج أخرى ما لم يطلق واحدة من نسائه، وتخرج من عدتها، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: أَسْلَمَ غَيْلَانُ الثَّقَفِيُّ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ".
3-
ذوات الرحم المحرم لمعتدته: فلا يجوز للمطلق أن يخطب أخت مطلقته أو عمتها
أو خالتها، حتى تخرج من عدتها.
4-
المطلقة ثلاثًا حتى تنكح زوجًا آخر زواجًا
صحيحًا، ثم
يطلقها: "الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ
وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا
أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ.."
5-
الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها
وخالتها:
"وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف"، وحرمة الجمع بين المرأة وعمتها
والمرأة وخالتها جاء في السنة، عن أبي هُريرة، قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه
وسلم: "لا تُنْكَحُ المرأةُ على عَمَّتِهَا، ولا العَمَّةُ على بنتِ أخيها، ولا
المرأةُ على خالتِها، ولا الخالةُ على بنتِ أختها، ولا تُنكحُ الكُبرى على الصُّغرى،
ولا الصُّغرى على الكبرى".
وقد أجمع العلماء على حرمة الجمع بين الأختين من الرضاع، أو
الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها من الرضاع.
مسألة: إذا عقد الرجل عقدين في وقت واحد على أختين، أو
امرأة وعامتها بطل العقدان، فإن عقد على واحدة بعد الأخرى بطل العقد الثاني دون
الأول.
6-
يحرم مؤقتًا تزويج المسلمة من غير المسلمين
مطلقًا، كما يحرم تزوج المسلمة من مشركة إلا الكتابية.
7-
نكاح الزانية حتى تتوب: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة
والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحُرِّم ذلك على المؤمنين" وتحريم نكاح
الزاني أو الزانية إنما هو في حال تعاطيها الزنا، فن تابا فإن الحرمة تزول.. مع
الانتباه لوجود خلاف في المسألة.
8-
نكاح المُحْرِم بالحج والعمرة: يحرم على المحرم بالحج والعمرة التزوج في
إحرامه، وهو قول جمهور العلماء، ودليلهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ،
وَلَا يَخْطُب"، وقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز نكاح المحرم محتجًا بأن
الرسول تزوج ميمونة وهي محرم.
بارك الله فيك
ردحذفبارك الله فيك وجزاك الله خيرا.
ردحذفبارك الله فيك شيخ نور تلخيص مفيد
ردحذف