إنما جعل الحج من أجل الإنسان!!

إنما جعل الحج  من أجل الإنسان!!
نور رياض عيد 

"السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ" بهذه العبارة أجاب سيدنا عيسى عليه السلام من اعترضوا عليه لأنه عالج أحد المرضى في يوم السبت، وهذه العبارة توضح مقصد العبادات التي فرضها الله على عباده، فإن الله سبحانه وتعالى غنيٌّ عنا ونحن الفقراء إليه، وهو لا يحتاج لأي فعل من أفعالنا، وحيثما وجدت مصلحة حقيقية للإنسان فثمّ شرع الله.
وإن من سوء فهم الإسلام أن يعتبر بعض الناس أن المشقة في الحج وموت الناس ودهسهم، وتعذيبهم هو أحد مقاصد هذه الفريضة، فالعكس هو الصحيح، فالشعور بعظمة الإنسان ينبغي أن يكون أحد الدروس المستفادة من الحج، فالحج رسالة حياة وليس رسالة موت.. الحج يبعث في الأمة معاني السلام والطمأنينة والراحة... السلام مع الإنسان، ومع الحيوان، ومع النبات.. نالحج نستشعر فيه عظمة الكعبة ثم نعلم أن هذه العظمة شيء صغير أمام عظمة النفس الإنسانية، كما جاء في الأحاديث النبوية.
لذلك كان هدي رسول الله عليه السلام في الحج وفي غيره قائمًا على التيسير على الناس، وأن يبعد عنهم العنت والمشقة، بل إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا، وَيَدَعُوا يَوْمًا"، وفي رواية أخرى أنه رخص للرعاء أن يرموا بالليل، وأي ساعة من النهار شاءوا، وهذا من أجل الحفاظ على حياة حيواناتهم من الغنم والإبل، فما بالكم بحياة البشر؟!
وقد وصل هذا الفهم ببعض المفكرين الإسلاميين كالدكتور فهمي هويدي إلى اعتبار الحج ليس أولوية في إحدى السنوات، معتبرًا أن إنقاذ البوسنة من الإبادة مقدم علي فريضة الحج‏، وذلك في الفترة التي كانت تتعرض فيه البوسنة لمحنة، وإن كان هذا الفهم مستقيمًا إلا أن هدفه يمكن أن يتحقق بأقل من ذلك، حيث إن معظم الذين يزحمون موسم الحج هم من الذين أسقطوا عن أنفسهم الفريضة، وجاءوا للحج مرة ثانية وثالثة وسابعة، والذين لم يحجوا قبل ذلك لا يكونون أكثر من (15)% من مجموع الحجيج في بعض السنوات كما ذكر ذلك العلامة يوسف القرضاوي.
يعجب المرء كل العجب من وقوع المسلمين في بعض الأمور التي تنافي مقاصد الحج، لقد شعرت بالحسرة الشديدة حينما قرأت بأن كسوة الكعبة تكلف سنويًا (20 مليون ريال سعودي) أي ما يزيد عن (5 مليون دولار) تقريبًا، بأي فقه للأولويات ينفق هذا المبلغ في ظل وجود شعوب على وجه الأرض تموت جوعًا؟! والأولى من ذلك أن نستنكر  أيضًا تلك الأموال الطائلة التي تنفق على سفاسف الأمور ومحرماتها، فملايين الدولارات تنفق على موائد الطعام، والألعاب النارية في أعياد الميلاد، وغيرها مما يعبث به المترفون.
بأي معنى يدفع عدد كبير من أثرياء المسلمين ألوف الدولارات سنويًا من أجل حج التطوع أو الذهاب للعمرة، ولو جمعت هذه المبالغ لبنيت بها مدارس ومستشفيات ومراكز علمية وتربوية وإغاثية كثيرة؟؟!!
ما هذا الفقه الذي يستند إليه بعض النخب العلمية الذين يمكثون في مكة شهرًا وشهرين كل عام ويتركون خلفهم ثغورًا شاغرة؟!
إنه من الواجب على المسلمين اليوم أن يعيدوا قراءة الحج وفق النظرة الإنسانية، وأن يتجنبوا أي فعل يتعارض مع مصلحة الإنسان التي هي غاية الرسالة المحمدية: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
يحسن أن تقرأ مقال: الحج على الطريقة الماليزية!!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟