أشباح بلا أرواح!!

أشباح بلا أرواح!!

نور رياض عيد

واحدة من الطرق التي تتطور بها المجتمعات هي نقل التجارب من المجتمعات الناجحة، فالمجتمعات المحترمة تحرص على نقل كل تجربة ناجحة إلى بلادها، ولا تعد ذلك عيبًا، بل العيب كل العيب أن تبقى متأخرًا والعالم من حولك يتقدم، كيف لك أن تبقى مكانك وما عليك سوى أن تقلد ولكنك تتكاسل حتى عن التقليد، فضلًا عن أن تبدع؟!

وتحدثنا كتب السيرة عن نقل المسلمين لتجربة حفر الخندق من الفرس، وعن نقل عمر بن الخطاب لتجربة الدواوين والسجون من الدول المجاورة، وغير ذلك، فالقضية أوضح من أن تحتاج لتأصيل شرعي.

ليس سرًا أن العرب –في جوانب متعددة- ينقلون، لكنهم ينقلون الشكل دون المضمون، يقلدون المظهر دون الجوهر، يأخذون بالأشباح ويتركون الأرواح، بل إنهم ينقلون الشيء العظيم فيحولونه إلى شيء حقير، يقلبون وسائل العدل إلى وسائل ظلم، وطرق التيسير إلى أساليب تعسير.

فمثلًا.. يستخدم العالم المتقدم الحاسوب من أجل تسريع الأداء ودقة المعاملات، ولكنك في بعض المؤسسات العربية تجد أن الحاسوب وسيلة للتأخير والتسويف، فما أسهل أن يقال لك: اسمك غير مدرج في الحاسوب، أو إن البرنامج معطل.. ارجع مرة أخرى.

مثال آخر: يوجد لدى الأمريكان وغيرهم مجالس للشورى والتشريع، ويوجد لدينا مجالس تشريعية وشورية وبرلمانية على اختلاف أسمائها، لكن شتان بين مجالسنا ومجالسهم، كذلك يوجد لدينا ديمقراطية ولديهم ديمقراطية.. شتان بين الصورة الحقيقية والفلاش كما يقال.

سأختم بمثال آخر: شكل عرض الشرائح عبر برنامج البور بوينت ((power point خدمة جميلة في عالم التدريس والتدريب.

لكن حينما عرفه بعض المحاضرين العرب، أو بعض الجامعات العربية، جعلوه مصيبة نزلت على رؤوس الطلاب.. كيف ذلك؟؟ المفترض أن يكون هذا الجهاز هو وسيلة عرض مساعدة إلى جوار القلم والسبورة، والأوراق، و... وإذ ببعض المحاضرين يقوم بتدريس الرياضيات – وضع تحت كلمة الرياضيات خطًا- بهذه الطريقة، حيث ينسخ المساق كله على الشرائح، ليجلس طوال المحاضرة على الكرسي يطقطق على أزرار الحاسوب يقلب الشرائح، قائلًا: "هكذا يُحَل السؤال.. انظروا"، دون أن يقوم عن كرسيه، أو أن يستخدم قلمًا أو سبورة!!

بقي أن أقول بأن التعميم شيء قبيح، وأن الدنيا لا تخلو من صور مشرقة.