إطلاق النار برشاش النصوص!!
إطلاق النار برشاش النصوص!!
نور رياض
عيد
"أرجوك
لا تتسلح بالنصوص!!"
استغرب صديقي
من هذا الطلب الذي طلبته منه أثناء نقاشي معه في نازلة سياسية، ومما زاد من دهشته علمه
أنني مثله من طلاب العلوم الشرعية.
لو لم يكن
يعرف تخصصي لظن صديقي أن هذا الطلب جاء نظرًا لعدم قدرتي على استخدام النصوص مثله،
لكني أردفت، قائلًا: قد تستدل بنصوص وأنا أستدل بنصوص أخرى، قد تستدل بأحداث غزوة بدر،
وأنا أستدل بأحداث أحد أو الخندق.
والأهم من
ذلك-كما يحدث في كثير من المسائل- قد تستدل بالنص وأنا أستدل بنفس النص، وأنت تفهمه
بطريقة وأنا أفهمه بطريقة أخرى تعضد وجهة نظري.
إن حبنا لديننا
يقتضي منا أن نكون حريصين على زيادة أتباعه وأن نقلل من أعدائه وكارهيه، لكن أن نجعل
آيات الكتاب وأحاديث الرسول أشبه بالمتفجرات التي نفجرها في الخصوم، فهذا خذلان للدين.
ما أروع الإمام
علي بن أبي طالب، وما أتقاه!! وما أقوى إيمانه!! وما أشد حبه لدينه!! ففي أكثر الساعات
التي احتاج فيها للتسلح بالنصوص ماذا صنع؟
أثناء مسيره للقتال الذين دار بين الصحابة دار هذا الحوار بينه وبين أحد أتباعه
ومحبيه، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ
هَذَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ r أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: "مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا؟" قُلْتُ:
دِينَنَا دِينَنَا، قَالَ: "مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ r فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ" (مسند أحمد بإسناد صحيح).
لا يفهم من
كلامي هذا أنني أدعو لفصل الدين عن السياسة، ولا أنني أدعو لتهميش النصوص الشرعية،
ولكن احترامنا للنصوص يقتضي منا ألا نتعامل مع تفسيراتنا وفهمنا لها وكأنها نصوص، فالنص
شيء، وفهمك له شيء آخر.
النص له مكانته
وقداسته، وتفسيرك يقبل الأخذ والرد، وإنزالك له على الواقع يحتمل الصواب والخطأ، وربما
يكون صوابًا في وقت وغير مقبول في وقت آخر.
تشتد أزمة
التسلح بالنصوص حينما نتعامل مع من يختلف مع رأينا السياسي أو الفقهي على أنه رافض
لنصوص القرآن والسنة، وبالتالي نحكم عليه بأنه ضد الدين، يعادي الله ورسوله.
ولعل من اللافت
أن النصوص التي جاءت لمعالجة القضايا السياسية بصورة مباشرة جاءت عامة، لا تتجاوز كونها
خطوطًا عريضة – إن صح التعبير- تقبل أن يكون تحتهما فهومات وشروحات وتأويلات واجتهادات
كثيرة.
استعن بنصوص
الدين في خطابك واتخاذ مواقفك، واستأنس بها، لكن عليك أن تنتبه أن النص شيء وفهمك وإسقاطك
له على الواقعة شيء آخر، ولا تتعامل مع نفسك كأنك ناطق باسم الله، فتصبح النصوص في
يدك كأنها رشاش تطلق به النار على خصومك لترديهم كفارًا أو فسّاقًا أو خونة أو مرتدين!!
تعليقات
إرسال تعليق