الترفيه كعبادة!!

الترفيه كعبادة!!
نور رياض عيد

"لا أرفض"، ولكني أتعجب من إصرار الشباب القائمين على الأنشطة الإسلامية-إخوة وأخوات خاصة الأخوات- أنه لا بد أن يحتوي اللقاء الترفيهي على درس ديني أو موعظة، وأحيانًا تطول الموعظة، وينسى المتحدث نفسه والأجواء التي تحيط به.
ربما يكون أحد أسباب هذا الإصرار هو شعور يسكن عقول عدد منا أن اللهو والترويح هي معاصي، أو على الأقل هي أمور لا يشجعها الدين، وساعات اللعب والمرح هي ساعات يضعف فيها إيماننا.
ولعل هذا الشعور قد عاشه بعض الصحابة منهم حنظلة رضي الله عنه حيث عبّر عن ذلك بقوله: "نافق حنظلة"، ومبرر النفاق من وجهة نظره: "نكون عند رسول الله r، يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله r، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا"، وشكا ذلك هو وأبو بكر الصديق لرسول الله r، فاعتبرها عليه الصلاة والسلام حالة طبيعية، وقال في ختام علاجه للحالة: "ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".
والحقيقة أنه عند التأمل في اللهو والترويح يجد الإنسان أنه أمام عبادة من الواجب علينا أن نهتم بها، وهناك العديد من أوجه العبادة وأوجه الاستفادة في عقد أنشطة اللهو والترويح وبناء أماكنها، يمكن أن أذكر بعضها في النقاط التالية:
1-   إدخال السرور على قلوب الناس عبادة يتقرب بها المرء لربه، فلماذا لا نهتم بها، ونعد لها من العدة ما يجعلها جذابة؟ وأن نبدع في اختراع وسائل اللهو والترويح التي تتوافق مع ديننا، إضافة للوسائل المعروفة التي أبدعتها عقول البشر.
2-   لو لم يكن لها من فضل سوى أن هذه الساعات يقضيها الناس في الحلال بدلًا من أن يقضوها في الحرام لكان كافيًا... أرأيتم لو قضى الناس هذه الساعات في الحرام أكان عليهم وزر؟!
3-   في اللهو والترويح حفاظ على نفوس الناس وعقولهم، خاصة بعد الدراسات العلمية التي تتحدث عن فوائد اللعب والضحك للكبار والصغار، وتزداد الحاجة للترفيه في المجتمعات التي تعاني من آلام الفقر والجوع والقتل والدمار كالمجتمع الفلسطيني، ومما يذكر هنا أن النبي r رفض أن ترى عمته صفية جسد أخيها حمزة بعد أن قتل ومزق، وعبر عن ذلك بقوله: "إني لأخاف على عقلها" فكيف لا نخاف على عقول ونفوس أناس تهدم عليهم بيوتهم، ويمزق أبناؤهم أمام عيونهم، ويرون الدماء والأشلاء صباح مساء؟!
4-   من المشاهد اللافتة للانتباه في حياة رسولنا الكريم r هذا المشهد: تزف فتاة إلى زوجها زفافًا صامتًا في مجتمع المدينة، فلم يعجب هذا الصنيع النبي، فقال لعائشة: "يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ"، وفي رواية: "فَهَلَّا بَعَثْتُمْ مَعَهُمْ مَنْ يُغَنِّيهِمْ"، فانظر إلى رسول الله الذي يوحى إليه عن أي شيء سأل، سأل عن الغناء في العرس، فيصبح موضوع اللهو والغناء سنة نبوية.
5-   الترويح يجلب السرور للنفس، ويبعد عنها الحزن، والحزن مقعد عن العمل، لذلك "لم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًا عنه، أو منفيًا" وسر ذلك كما يقول ابن القيم: "أن الحزن موقف غير مسير، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه".
6-   لعل في انتشار الترفيه المشروع تخفيف من حالات الغضب والاحتقان والعنف التي تسكن بيوت الناس وعقولهم في هذه الأيام.
7-   في اللهو والترويح اقتراب من مجتمع المدينة المنورة، الذي كان الأحباش يرقصون في مسجده في يوم العيد والنبي وزوجه عائشة يشاهدان، وكان الصحابة يمزحون ويضحكون، فهو مجتمع الفرح والسرور.
ماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟
يمكن تلخيص المراد من هذا الكلام، في النقاط التالية:
1-               من المفيد أن يترسخ في عقولنا أن البرامج الترفيهية المشروعة على اختلاف أنواعها هي قربات نتقرب بها إلى الله، فلا داعي للتشنج في التعاطي معها.
2-               لا يجوز أن تلهينا ساعات اللهو والترويح عن ذكر الله والصلاة، فمن المهم إذا رفع الأذان أن يصطف الجميع لأداء الصلاة في وقتها.
3-               من العبادات التي نؤديها في ساعات اللهو والترويح عبادة الحفاظ على ديننا وأخلاقنا وألا نخدش أخلاقنا أثناء لهونا، وأن نحافظ على القيم والأخلاق وضوابط الحلال والحرام أثناء اللعب.
4-               ليس من الممنوع إلقاء درس في لقاء ترفيهي، لكن بشرط أن يكون الدرس قصيرًا جدًا ليفسد الهدف الرئيس من اللقاء وهو الترفيه.

5-               مما لا شك فيه أننا لاحظنا في السنوات الأخيرة بعض الاهتمام من الإسلاميين بموضوع اللهو والترويح إلا أنه ما زال بسيطًا، وإن شئت فألق نظرة على الإنتاج الفني الذي قدموه من مسرح ومسلسلات وأفلام، أو ما أقاموه من أندية ومقاهي ومسابح ودور سينما، أو اهتمامهم بموضوع الرياضة على اختلاف أنواعها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟