اجتهد فقتل
اجتهد فقتل!!
نور رياض عيد
شأن الدماء خطير
في ديننا، لذلك يعد القتل بغير حق من أكبر الذنوب التي من الممكن أن يلقى بها
المسلم ربه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي
فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا".
ونرى اليوم في عالمنا الإسلامي جرأة على
الدماء، والمبكي أن يأتي من يشرعن القتل الظالم، فيجعله تحت مظلة الدين، ومن أجل
حماية العقيدة، ولو ثبت للقتلة خطأ فعلتهم، فتسمع من يدافع عنهم بقوله: "لا تضخموا الموضوع، اجتهدنا فأخطأنا،
وبذلك يكون لنا أجر واحد".
وبهذه العبارة يتم تغطية جرائم كثيرة، وتحت
شعار: "اجتهد فأخطأ" نحكم بالأجر لبعض المجرمين.. لكن السؤال المهم: من
هو المجتهد الذي يؤجر أجرًا واحدًا حتى لو أخطأ كما جاء في الحديث: "إِذَا حَكَمَ
الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ
ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"؟
والجواب يمكن تلخيصه
من كتاب أولويات الحركة الإسلامية للدكتور يوسف القرضاوي في نقطتين:
الأولى: الذي ينال الأجر الواحد هو من كان أهلًا
للاجتهاد، بأن يكون لديه الحد الأدنى من شروط الاجتهاد، [وليس المقصود شروط
الاجتهاد الفقهي، بل لكل مجال شروطه، فالاجتهاد السياسي يختلف عن العسكري وهكذا]،
وبذلك يكون من هجم على أمر لا يحسنه لا أجر له بل اكتسب إثمًا مبينًا، لقوله بلا
علم، وخوضه فيما لا اختصاص له به.
الثانية: الذي يؤجر هو الذي بذل كل وسعه،
واستخدم كل الإمكانيات المتاحة، وشاور ذوي الخبرة، وليس المتسرع الذي لا يدرك قيمة
العلم، ولا أهمية الدراسات والإحصاءات والمعلومات.
ومن الأمور المعروفة أن تغيير المنكر له شروط
وضوابط -ويشدد في هذه الشروط إذا تعلق الأمر بسفك دم إنسان- ومن أهمها أن يكون
التغيير ضمن صلاحيات المغيِّر، فمثلًا لو ارتكب شخص جريمةً.. تعاقبه الجهات
المختصة، ولا يعاقبه شاب متحمس سمع فتوى فجاء يطبقها، فالإفتاء يختلف عن القضاء، والحكم
على إنسان يحتاج إلى قضاء وشهود وبينات، بل إن علماءنا يفتون بمعاقبة من طبق
القانون بيده لأنه افتات على صلاحيات الدولة.
لقد اجتهد بعض الصحابة في مسألة من مسائل
الطهارة، فترتب على اجتهادهم موت إنسان بغير قصد منهم، فلما وصل الخبر للنبي صلى
الله عليه وسلم غضب غضبًا شديدًا، وقال: "قَتَلُوهُ
قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ
الْعِيِّ السُّؤَالُ" ولك أن تلاحظ أن هذا الاجتهاد كان في مسائل الطهارة..
فما بالك بقضايا الدماء؟!
ومن المهم أن ندرك أن
الحياة اليوم باتت معقدة بصورة كبيرة، وأن الفقيه لا يستطيع أن يفتي إلا بعد
اطلاعه على آراء أهل السياسة والاقتصاد والاجتماع، إلخ.. ففقه الواقع يحتاج إلى
قراءة وخبرة ومشاورة ومدارسة.. فلا يليق أن يتصدر لعظائم الأمور شباب متحمس –مهما
كان إخلاصه- ولو عرضت هذه القضايا على عمر لجمع لها أهل بدر.
جميل جدا يا شيخ نور
ردحذف