التدين المغشوش!!

التدين المغشوش!!
نور رياض عيد

الفهم الخاطئ للدين يظهر لنا صورًا مشوهة للتدين والالتزام عند بعض الناس، وهذه الصور وإن كانت مرفوضة شرعًا إلا أن ضررها عظيم على الدين نفسه لأنها تنسب له، فتجد أحد هؤلاء: يحافظ على صلاة الجماعة لكنه سيء التعامل مع أقاربه وجيرانه، ويعد من الملتزمين.. وترى ثانيًا: يعفي لحيته ولا يأخذ منها شيئًا ويشنع على من يأخذ منها، ولكنه لا يبالي في أكل أموال الناس بالباطل، ويحرم أخته من الميراث.. وتعايش شخصًا ثالثًا من هؤلاء يشبعك حديثًا في الدين فإذا اقتربت منه وجدت إنسانًا حسودًا حاقدًا، لا يتوقف عن الخوض في أعراض الناس.
وإنصاف الشريعة يقتضي منا أن نفضح هذا النوع من التدين، فالمتدين الحقيقي هو الذي يحسن العلاقة مع ربه والعلاقة مع خلقه، وليس الالتزام هو تأدية الشعائر التعبدية، ثم السير في الأرض كالوحوش الكاسرة، والآية الكريمة توضح لنا شمولية الدين الذي يريده الله: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ".
يشعر المرء بالحزن الشديد حينما يرى أناسًا علاقاتهم الاجتماعية مهدمة، ويملأون كروشهم مالًا حرامًا، ولا تتحرق قلوبهم ألمًا على مناظر المكلومين والمحرومين والمجروحين، ثم يظن الواحد منهم أنه قد حاز الدين من جميع أطرافه لأنه يرتدي الجلابية ويحمل بيده سواكًا، ينسى هؤلاء أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما سئل: أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ أجاب: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ"، فابتعاد المسلم عن أذية الناس فضيلة تعتبر من خير القربات، بل إن المتأمل في العبادات الشعائرية يجد أنها تهدف لصناعة إنسان اجتماعي محبوب، يحب الناس ويحبه الناس.
وما أجمل تلك الأبيات التي كتبها شاعر يصف حال من يذهب لأداء مناسك الحج بمال حرام، فقال:
إذا حججت بمال أصله سحتٌ    فما حججت ولكن حجت العيرُ[وسيلة النقل].
لا يقبلُ اللهُ إلا كلَّ طيبة           ما كلُّ من حج بيت الله مبرورُ.
لقد غضب الصحابي عبد الله بن عمر على رجل من أهل العراق جاء يسأله عن حكم قتل المُحْرِم بحج أو عمرة لبعوضة، وقال للجالسين حوله: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ r "يقصد الحسين"، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا".
لأمثال هؤلاء من أصحاب التدين الشكلاني، نقول ما قاله الإمام سفيان الثوري: "انْظُرْ دِرْهَمَكَ مِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ وَصَلِّ فِي الصَّفِّ الأَخِيرِ".
وأرجو ألا يفهم أحد القراء أن المقال يقلل من فضل الصف الأول أو أي فضيلة حث عليها الإسلام.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟