خواطر على (خواطر)

                      خواطر على (خواطر)
نور رياض عيد


يعتبر برنامج خواطر -بأجزائه الأحد عشر- الذي قدمه الشاب السعودي أحمد الشقيري من البرامج التي استطاعت أن تحقق نجاحًا ملحوظًا، وأن تنال على متابعة وإعجاب الشباب العربي، وذلك بسبب الإبداع والإتقان الذي خرج به البرنامج، فيكون مقدمه قد دعا إلى الإحسان قولًا وطبقه عملًا في البرنامج.
وفي هذا المقال يطيب لي أن أكتب بعض الملاحظات والخواطر حول البرنامج، وقبل سرد خواطري على برنامج خواطر، أذكر أن البرنامج هو جهد بشري سيكون فيه العديد من الأخطاء والسلبيات، ولكني سأذكر  الدروس الإيجابية التي من الممكن أن يستفيد منها القراء الأعزاء:
 نجاح دون سلاح!!
·     لقد قدم الشقيري للشباب العربي نموذجًا في إمكانية تحقيق نجاح في مجال خدماتي للأمة دون الاصطدام بالأنظمة الحاكمة، فقد استمر خواطر على مدار أحد عشر عامًا يبث أفكارًا قوية، ويلفت انتباه الجماهير إلى وجود تقصير وإهمال واضحين في الحكومات العربية، لكنه استطاع أن يمضي يقظًا مسالمًا دون أن يؤلب عليه حكومة أو نظامًا تأليبًا يصل إلى حد المطالبة بإيقافه، وهذه رسالة لرجال الإصلاح في العالم الإسلامي مفادها: ليس شرطًا للإصلاح الحقيقي أن نشتم الأنظمة ونخسرها، بل بالإمكان النصح والتوجيه دون خسارتها... [ملاحظة: أرجو ألا يفهم أحد أنني أبرر استبداد الأنظمة، أو أنني أعتبر أن كل الذين اصطدموا بالأنظمة كانوا مخطئين!!]
شماعة الحكومات!!
·     لقد فتح خواطر عيون الشباب العربي على نقاط الضعف الكثيرة التي تسكن بداخلنا، والتي بإمكان الشعوب معالجتها، فهناك دور بإمكان الجميع القيام به من الرجال والنساء ومؤسسات العمل الخيري ورجال الأعمال والمستثمرين والأطباء والمهندسين والمساجد.. إلخ، فلا يليق أن نجلس واضعين أيادينا على خدودنا ولا نفعل شيئًا، ونجعل من الحكومات شماعة نعلق عليها كل فشلنا وإهمالنا.

الجهاد الاجتماعي
·     لقد ساهم البرنامج في إحياء العبادات التعاملية المختلفة، خلافًا لكثير من البرامج الدعوية التي كان معظم تركيزها على العبادات الشعائرية، ومن هذه العبادات: علاج المرضى، وتنظيف البلاد، وإتقان الأعمال، وحفر آبار المياه، وتسهيل معاملات المواطنين، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير السجون، وتشجيع القراءة، وغيرها... هذه العبادات التي اعتبر النبي عليه السلام أصحابها كالمجاهدين: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ»، وقد وسع لنا النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم الصدقات إذ قال: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ"، وبذلك يكون قد شارك في إظهار لنا المعاني العميقة للتقوى والإيمان: "إن التقوى المنشودة ليست مسبحة درويش، ولا عمامة متمشيخ، ولا زاوية متعبد، إنها علم وعمل، ودين ودنيا، وروح ومادة، وتخطيط وتنظيم، وتنمية وإنتاج، وإتقان وإحسان" كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي.



الحكمة ضالة المؤمن
·     لقد ساهم خواطر في صناعة حالة من الاعتراف بالآخر، فإن بعض الوعاظ أو المتحدثين لا يظهر للشباب إلا سلبيات الغرب، فيلصقون به كل العيوب والمثالب، فجاء خواطر فوجه عيون الشباب للاستفادة مما عند الغرب، وأن حلول عدد من مشكلاتنا موجودة هناك، محييًا سنة أن الحكمة ضالة المؤمن، ومن الواجب عليه أن يبحث عنها ويأخذها من أي وعاء خرجت، وألا يجعل اختلاف الأديان والبلدان سببًا للتنافر والتصادم، بل هو دعوة للتقارب والتعارف: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.."

أوقف غرورك!!
·     إن فكرة النظر للأفضل قد شارك في إحيائها برنامج خواطر، فقد كبح جماح غرور كان يسكن في عقول بعض الشباب المسلم الذي كان يرى أننا أول الدنيا ونهايتها، وخير أهلها وأفضلهم، فرأى أن في الدنيا عاملين ومجدين ومتقنين ومجدين أكثر منا بكثير، فعرف قدر أمته وقلل من غروره، وكما قال عمر بن عبد العزيز: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ".

دعوة للسفر
·     لقد أعطى خواطر للشباب درسًا مهمًا مفاده: أن السفر فيه فوائد كثيرة، وأن الذين يمضون سنوات أعمارهم داخل بلدانهم ستبقى ثقافتهم ضحلة ومعرفتهم محدودة وسيكونون أسرى للانغلاق، لذلك قال يحيى بن معين: أربعة لا تُؤنِسُ منهم رُشدًا، وذكر منهم: رجلًا يكتب الحديث في بلده ولا يرحل في طلب الحديث.. فالذي يسافر سيعود من السفر بتجارب كثيرة يفيد منها نفسه وشعبه، وليس السفر هو فرصة للصياعة والضياع كما يحلو لبعض الناس أن يصوروه، ومن يسافر باحثًا عن التعلم والاستفادة سيجد، ومن يبحث عن غير ذلك سيجد أيضًا..

الشباب فيهم خير!!
·      إن تقديم الشقيري الشاب لهذا البرنامج، وإظهاره لدور الشباب في الأعمال الخيرية للأمة، أظهر الوجه المشرق والحقيقي لشباب أمتنا، على عكس ما أظهرته بعض وسائل الإعلام بأنه شباب ضائع كل همه في فرجه وبطنه، بل بيّن أنهم شباب تمتلئ قلوبهم حبًا لأمتهم، وتمتلئ عقولهم فكرًا وإبداعًا، لكنهم بحاجة إلى من يشجعهم ويحتضنهم: "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً"، ولا بد أن يفسح للشباب المجال كي يأخذ دوره، وألا يبقى كبار السن مسيطرين على كل شيء ولا يثقون في الشباب، فقد كان الفاروق عمر رضي الله عنه يشاور الشباب في الأمور الصعبة يبتغي حدة عقولهم!!

فليغرسها
·     لقد فتح خواطر أبوابًا واسعة لعمل الخير في العالم كله، وأقام الحجة على كل إنسان كي يبدأ في التحرك في كل زمان ومكان، وأنه لا عذر لأحد، بل كان شعاره في الموسم الأخير قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»، فلا أحد يمنعك من التبرع لمريض، أو تنظيف حيك، أو احترام المواعيد، أو تطوير مؤسستك، أو الحفاظ على كرامة العمال البسطاء.

هل الإسلام هو الحل؟!
·     لقد ساهم الشقيري في تقريب الإجابة عن السؤال المهم: لماذا تقدم المسلمون بالأمس وتأخر غيرهم؟ ولماذا تأخر المسلمون اليوم وتقدم غيرهم؟ كما قدم إجابات تفصيلية للشعار الشهير (الإسلام هو الحل)، ومن الإجابات التي قدمها ما عبر عنه الدكتور القرضاوي في كتابه أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة: "يتعين على الإسلاميين ودعاتهم ومفكريهم أن يبينوا للناس بوضوح كافٍ: أن الإسلام يحل مشكلات الناس عن طريق الناس أنفسهم، وأن الله لا ينزل عليهم ملائكة تقوم بزراعة الأرض، أو بتنمية الثروة الحيوانية أو السمكية أو ... "، "إن الناس هم الذين يقومون بهذا كله وبغيره، مما تحتاج إليه الحياة الطيبة، ويفتقر إليه المجتمع الصالح المعاصر، وتنشده الإنسانية الراشدة".
متحدين نقف.. متفرقين نسقط!!
·     لقد استطاع فريق خواطر أن يتحرك في مربع المشترك الإنساني أو  المتفق عليه، فحظي بمتابعة أناس مختلفين في أديانهم وأعراقهم وجنسياتهم، حتى طالب بعض المتحدثين بغير العربية بترجمة البرنامج إلى لغات أخرى، كما جاءت بعض الحلقات لتدعو الشعوب للتعايش مستدلًا بحال مجتمعات مختلفة الأديان والأعراق لكنهم استطاعوا أن يتعايشوا باحترام وتفاهم، وهذا يظهر لنا إمكانية أن نحيا متفاهمين متحابين، وينبغي أن يكون للإعلام الدور الأكبر في تعزيز نقاط الاتفاق والابتعاد عن نقاط الاختلاف والتفريق، وإثارة النعرات الطائفية والحزبية: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

ليسوا سواءً!!
·     قدم لنا خواطر نظرة موضوعية عن الغرب، فهو في حلقات كثيرة ركز على إنجازات وإيجابيات الغرب، ولكنه لم يغفل التنبيه على سلبيات الغرب، خاصة في [خواطر 10]، حيث أظهر مشكلات يعاني منها الغرب، وقد قدم الإسلام الحل الأمثل لها كمشكلة المخدرات والقمار والعلاقات الجنسية المحرمة والربا وغيرها، وكان الحل الإسلامي هو الصراط المستقيم الذي نكرر دومًا: "اهدنا الصراط المستقيم"، وبذلك يكون قد أظهر حاجة البشرية لهذا الدين بصورة عملية، وأوضح مقدار الضنك والألم الذي تسببه المحرمات في حياة البشر: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا".

كفانا كلامًا، أرونا عملًا..
·     لقد استطاع الشقيري أن يعرض أفكارًا عملية كثيرة قابلة للتطبيق، وقد بدأت فرق شبابية كثيرة في العالم الإسلامي بتطبيق هذه الأفكار، وبذلك يكون البرنامج عمليًا لا جدليًا، وقد قال عليه السلام: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ"، فالمشاريع الصغيرة التي تخدم الأمة خير من الشعارات الفضفاضة التي ملت الشعوب من سماعها دون أن ترى تطبيقها.
ويبقى الأمل!!

وأما الخاطر ة الأخيرة من الخواطر الكثيرة التي من الممكن أن تكتب حول خواطر، فهي أن خواطر يفتح نافذة الأمل، ويعطينا مبشرات لإمكانية الإصلاح والتقدم، واللحاق بركب الحضارة والمدنية، خاصة أنه قد عرض نماذج عديدة لدول وشعوب كانت متخلفة وفي عقود معدودة انطلقت مسرعة حتى أمست دولًا متحضرة محترمة كسنغافورة مثلًا... وما أجمل بث الأمل المبني على خطط عملية وأفكار واقعية وعقول مبدعة وجهود مخلصة!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟