قلب أرشيفي!!
قلب أرشيفي!!
نور رياض عيد
كلنا يردد دومًا أنه ما من إنسان يخلو من الخطأ، لكن حينما يخطئ أحد في
حقنا فإننا لا ننسى خطأه، وبذلك نخسر أصدقاء كثر لمجرد تصرف صدر منهم، وقد قال
الفضيل بن عياض: "من أراد أخًا بلا عيب، كان بلا أخ"!!
سامح أخاك إذا
خلط منه الإساءة والغلط.
من ذا الذي ما ساء قط؟! ومن له الحسنى فقط؟!
إنها لخصلة كريمة أن نتعود على حفظ الإحسان الذي يسديه إلينا الآخرون منحوتًا
على الصخر، حتى يبقى إحسانهم أبد الدهر، وأن نكتب أخطاءهم على الرمال كي تأتي
الرياح فتمحوها، وبذلك ننسى إساءتهم في أسرع وقت ممكن!
هناك بعض الناس يحملون قلوبًا أرشيفية، فهم
يحفظون أخطاء الناس كلها -صغيرها وكبيرها- في أرشيف قلوبهم، ولا ينسونها، وبمجرد
أن تحين فرصة الانقضاض والانتقام فإنهم يفتحون جميع الملفات المؤذية.
وهناك أناس يجعلون من قلوبهم بنوكًا لإيداع
المواقف الحسنة التي يفعلها الآخرون بحقهم، وبمجرد أن يخطئ الآخرون بحقهم فإنهم
يخرجون من الرصيد الحسن الذي حفظوه للآخرين في قلوبهم، وبذلك يسارعون إلى الصفح
والتجاوز ونسيان الأخطاء.
إن أول السعداء بالقلب السليم هو حامله، فهو
يبقى خفيفًا مرتاحًا من حمل الأحقاد والضغائن، وقد رؤي الصحابي المجاهد أبو دجانة
على سرير الموت وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال:
"ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما فكنت لا أتكلم فيما لا
يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليماً".
ما أعظم أن يكون الإنسان سريع النسيان لأخطاء
الآخرين في حقه، ولكنه لا ينسى خطأه في حق الآخرين!! يروي إياس بن سلمة عن أبيه أن
الفاروق عمر رضي الله عنه مرّ ذات يوم وسلمة في السوق، وكانت الدّرة
بيد عمر، فقال عمر: "هكذا أمِطْ –أي ابتعد- عن الطريق يا سلمة"، قال: ثم
خفقني بها خفقة فما أصاب إلا طرف ثوبي، فأمطت عن الطريق، فسكت عني حتى كان في
العام المقبل، فلقيني في السوق، فقال: "يا سلمة، أردت الحج العام؟"،
قلت: نعم، فأخذ بيدي، فما فارقت يدي يده حتى دخل في بيته، فأخرج كيساً فيه ست مائة
درهم، فقال: "يا سلمة، استعن بهذه، واعلم أنها من الخفقة التي خفقتك عام
أوّل"، قلت: والله يا أمير المؤمنين، ما ذكرتها حتى ذكرتنيها، قال:
"والله ما نسيتها بعد"!!
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ
أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ"،
قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ:
"هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ،
وَلَا حَسَدَ" [رواه ابن ماجه بإسناد صحيح].
لا شك أن الوصول لهذا القلب ليس سهلًا ويحتاج الإنسان إلى رحلة مجاهدة،
ولكنها رحلة ترفع الإنسان في درجات الجنان.. أسأل الله أن يرزقنا قلوبًا سليمة تُقدّر
الإحسان وتحفظه وتنسى الإساءة بسرعة.
تعليقات
إرسال تعليق