ألا يوجد غير الشيوخ؟!
ألا يوجد غير الشيوخ؟!
نور رياض عيد
لا يقتصر عمل الخير في مجال الإرشاد والتوجيه على
تعليم الناس أحكام التلاوة والفقه، بل يشمل كل علم فيه الفائدة والخير، وقد قال
عليه الصلاة والسلام: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ
الْمُسْلِمُ عِلْمًا ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ" [رواه ابن ماجه وضعفه الألباني].
يحتاج الناس إلى توعية وإرشاد في جوانب متعددة
من حياتهم، ويخطئ من يظن أن دروس الوعظ التي تلقى في المساجد هي ما يفيد الناس فقط؛
بل هم بحاجة إلى توجيه في الحياة الأسرية وتربية الأبناء والتعامل داخل البيت بطريقة
تفصيلية عميقة وليس سطحية خاصة في ظل مجتمع تتزايد فيه نسب الطلاق والمشكلات
الأسرية.. وهم يحتاجون كذلك إلى إرشادات صحية تجنبهم ممارسة سلوكيات خاطئة قد تسبب
لهم أمراضًا وآلامًا.. وهم بحاجة أيضًا إلى إرشادات نفسية تساهم في دمجهم في
مجتمعاتهم وتعمل على التخفيف من توترهم وغضبهم، وتقيهم شرور انفعالاتهم.
إن الجهل بهذه الأمور وأمثالها يورث الأمم
والشعوب كوارث ومصائب، فعلى سبيل المثال تعتبر مصر أكثر دول العالم إصابة في مرض
التهاب الكبد الوبائي، وفي كل سنة هناك مائة ألف إصابة جديدة بهذا المرض في مصر،
ويقدر عدد المصابين به بـ 25% من الشعب المصري، وهناك أسباب تقف وراء ذلك من أهمها
السلوكيات الخاطئة المتعلقة بالنظافة والتعقيم خاصة في المستشفيات وعيادات
الأسنان.
إن عددًا كبيرًا من خريجي الجامعات من أصحاب
التخصصات غير الشرعية أثرهم في بناء مجتمعاتهم قليل ومحدود، وذلك نظرًا للفكرة
الخاطئة السائدة أنه لا يقف أمام الناس موجهًا ومعلمًا إلا الشيخ أو الواعظ.
لقد جاء الإسلام ليسعد الناس في حياتهم
وآخرتهم، ورتب الأجر على كل عمل يساهم في ذلك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "بَيْنَمَا
رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ،
فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ"، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "أَحَبُّ
النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ, وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى
اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ".
إن من سوء الفهم لهذا
الدين أن يظن الشباب أنه لا يمكن لهم نيل الأجر والثواب إلا إذا تكلموا للناس في
علم الفقه أو العقيدة أو غيرها من أقسام العلوم الشرعية، إن الفكرة الصحيحة التي
يجب أن تسود هي أن أي علم يساهم في منفعة الناس يثيب رب العالمين صاحبه، وإن أجر فاعل الخير يزداد ويتضاعف كلما زاد عدد
المنتفعين، فالأجر على قدر المنفعة.
لقد عاب الإمام أبو
حامد الغزالي على مسلمي زمانه انشغالهم بدراسة الفقه وتركهم لبقية العلوم الأخرى
كالطب وذلك للمكاسب المادية التي كان ينالها أهل الفقه من الأمراء، حتى أمست بعض
البلدات المسلمة لا يوجد فيها طبيب مسلم واحد، فيذهب الناس للعلاج عند غير
المسلمين، "ثم لا نرى أحداً يشتغل به –أي الطب- ويتهاترون على علم الفقه لا
سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن
الوقائع" كما يقول الغزالي.
وعلى خطى الغزالي نمضي
قائلين: يرى الناس عددًا لا بأس به من الذين يلقون أمامهم دروس الوعظ في المجالات
الشرعية المختلفة، لكنهم يحتاجون إلى من يحسن تقريب العلوم النافعة الأخرى لهم، من
علم نفس، وتربية، وإدارة، وتنمية بشرية، وقانون، وغيرها، وإن أجر من يفعل ذلك قد
يفوق الوعاظ المعروفين نظرًا للفائدة الأكبر التي من المتوقع أن يحققها.
لا يشكل إضافة كبيرة
ذلك الطبيب أو الممرض أو المختص النفسي الذي يقف أمام الناس ملقيًا درسًا وعظيًا
كبقية الوعاظ، بل قد لا يوفق لكونه يتحدث في غير تخصصه، لكننا نريد منه ومن أمثاله
أن يخدم الناس من خلال تقديم نصائح وإرشادات علمية تتسم بالتبسيط والدقة في مجال
تخصصه.
ملاحظة: أرجو ألا يفهم
أحد من كلامي أنني أقلل أهمية تفقيه الناس في أمور دينهم، وحاجتهم إلى الدعاة
المميزين.
تعليقات
إرسال تعليق