المتبرع الذي هتك عرضنا!!

المتبرع الذي هتك عرضنا!!
نور رياض عيد

حينما نقول إن دفع مبلغ كبير من المال من أجل هذا المشروع ليس من أولويات شعبنا، وأحيانًا ربما يكون المشروع لا فائدة كبيرة أو حقيقية منه، يقفز بعض الطيبين ليقولوا لنا: هكذا أراد المتبرع!! ماذا نفعل هل نرفض تبرعه؟!
فمثلًا يكون في المنطقة عدة مساجد، فيأتي متبرع ليبني بالقرب منها مسجدًا، نقول: هذا المسجد لا لزوم له هنا، هناك ثغور كثيرة تستحق الإنفاق، فيكون الجواب: المتبرع اشترط ذلك.. ويأتي بعضهم ليتبرع ببعض قطع الحصير أو المصاحف في مسجد مفروش كله بالسجاد، وفيه عدد كبير من المصاحف، ثم نأخذ تبرعه ليُلْقى الحصير في زاوية المسجد دون أن يستفيد منه أحد، لماذا لم نطلب من المتبرع نقلها إلى مسجد آخر؟ الجواب: المتبرع اشترط ذلك.
من هذا المتبرع؟ وماذا يريد منا؟ هل يريد أن يخدمنا أم يريد أن يقدم لنا رشوة وفق هواه؟ هل يريد أن يقدم ما يرضي ربه أم يريد أن يطهر دنسه ويلمع نفسه بنا؟! هل يريد أن يسجل علينا أنه مد يده لنا وأعطانا، ويلتقط صورنا ونحن نتسول منه حتى وإن كان عطاؤه لا يفيدنا؟

إن منطقة يسكن فيها عدد كبير من الناس، ويوجد فيها أكثر من أربعين مسجدًا، بينما لا يوجد فيها مستشفى أو مستوصف واحد، وقد يضطر طلابها للسير لمسافات طويلة حتى يصلوا إلى مدارسهم ثم نصفق لمتبرع يأتي ليتبرع لنا ببناء مسجد، وقس على ذلك!
ملاحظة: قناعتي أن كثرة أعداد المساجد ظاهرة صحية في مجتمعنا، لكن مع مراعاة الأولويات والحاجات الضرورية.
نحن كفلسطينيين حكومة وشعبًا ينبغي أن تكون لدينا قائمة واضحة باحتياجاتنا، مرتبة وفق الأولويات، من أراد التبرع أعطيناه ليختار من قائمة احتياجاتنا، ومن لا يرغب ويريد أن يتخلص من فائض لديه فلسنا مكب نفايات.. 
ما معنى أن تتبرع مؤسسة أو حتى حكومة لنا بنوع من الأدوية بينما مستودعاتنا تغص بهذا النوع من الدواء؟ ثم نضطر بعد مدة لإلقاء كميات كبيرة منه إلى النفايات بسبب انتهاء مدة صلاحيته.. بإمكاننا أن نري المتبرع أننا شعب أرقى مما يظن، فلو أراد أن يعطينا شيئًا لسنا بحاجة له، أو لدينا منه ما يكفينا، فلنقل له: شكرًا لك، بارك الله فيك، لدينا ما يكفينا، فتبرع به لشعب الصومال، أو للاجئين السوريين.
إن التبرعات ينبغي أن نأخذها لنكمل نقصًا موجودًا لدينا، لا لنهدم فيها أخلاقنا وعقولنا، ويكون كل همنا: هل من مزيد؟ وكل واحد من أصحاب المؤسسات والحركات يريد أن يأتي بتبرعات كي يظهر أنه يخدم الشعب، ولو كان ذلك على حساب كرامتنا، وسكب ماء وجوهنا!
إن مستشفياتنا ينقصها بشدة بعض الأجهزة الطبية المهمة، مثل جهاز الـتصوير [ct] فالمفترض أن تطالب وزارة الصحة المتبرعين أن يجعلوا تبرعاتهم لأجل ذلك، لا أن نصفق لكل من يتبرع لبناء مسجد، أو يتبرع بنوع من الأدوية التي تملأ مخازن الوزارة.
ملاحظة مهمة: قناعتي أن معظم المتبرعين هم أناس طيبون، يبتغون الأجر والثواب، ولو أقنعناهم بأولوياتنا، فلن يرفضوا العطاء.. لن يرفضوا المساهمة في بناء مدرسة أو مستشفى، لكن مشكلتنا مع بعض الذين يمثلوننا فيمدون أيديهم ليأخذوا أي شيء!!

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟