ثلاثون سنة.. فهل فهمنا الترابي؟

ثلاثون سنة،،، فهل فهمنا الترابي؟!

نور رياض عيد

في كثير من الأحيان لا تعبر التغييرات التي يحدثها بعضنا  تحت ضغط الواقع عن وعيٍ واقتناع، وذلك لأنها تحدث تحت الضغط فقط.. لو أن التغيير يحدث لأن الواقع ساهم في تحسين طريقة التفكير، وأخرج أفكارنا من المثالية والتجريد إلى التعامل الواقعي لكان تغييرًا مثمرًا وجيدًا، لكن المشكلة أن كثيرًا من التغييرات التي تحدث لنا يفرضها الواقع ونقوم بها لا عن اقتناع بقدر ما هو اضطرار، بدليل أنه لو زال هذا الضغط لعدنا لما كنا عليه.

هناك عدة حركات إسلامية في بلدان العالم الإسلامي تتبع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر تحاول اليوم أن تعلن أنها لا علاقة تنظيمية لها بالحركة الأم، وأن الارتباط بها مجرد ارتباط فكري لا أكثر.. هذه الخطوة البسيطة التي تحاول الحركات الإخوانية المختلفة اليوم أن تخطوها، كان الشيخ حسن الترابي رحمه الله ينادي بها ويطبقها منذ عشرات السنين، فالدكتور عبد الله النفيسي يتحدث في كتاب صدر سنة 1989م بأن المراقب لجماعة الإخوان يلاحظ غياب د. حسن الترابي عن عضوية مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام للإخوان المسلمين رغم ثقل الشيخ الترابي الفكري والسياسي، والسبب في ذلك أن الترابي رفض مبايعة التنظيم الدولي للإخوان، لأنه يرى أن لكل قطر خصوصية وأن يكون بين الأقطار تنسيق لا بيعة. [انظر: كتاب الحركة الإسلامية..رؤية مستقبلية: د. عبد الله النفيسي وآخرون، ص 253].

يبدو أن مشكلة المصلحين المبدعين كانت ولا تزال أنهم يرون أبعد مما يرى غيرهم، وعقولهم أكثر اتساعًا من غيرهم، وهذا ما يجعل أفكارهم التنويرية تجر عليهم المصائب في حياتهم، وأما بعد سنوات فقد تصبح أفكارهم واقعًا عمليًا وقد ينسب لهم الفضل وقد ينسون ويبقى الأجر عند رب العالمين.

لعله من الصعب أن نقول إن من الواجب علينا ألا نستهين بآراء المفكرين المبدعين، وأن نأخذها على محمل الجد، فإن هذا الطلب صعب ليس لدينا كمسلمين بل عند جميع البشر، ولو قبلت الناس أفكار المبدعين بسهولة لما كانت هناك معارك الإصلاح في الحياة... لكن المطلوب اليوم أن نعزز عند الأجيال ألا يجلدوا وألا يحاربوا الأفكار الجديدة، فليرفضوا الفكرة بهدوء إن لم تعجبهم لكن دون أن يشنوا الحرب عليها وعلى صاحبها، فرب فكرة حاربناها اليوم كان فيها حبل النجاة غدًا!!

لا تحاربوا الأفكار بعنف حتى لا تخجلوا يومًا ما من اعتناقها وأنتم ترون الخلاص فيها.