لماذا قبّل يد المسؤول؟!
لماذا
قبّل يد المسؤول؟!
نور
رياض عيد
منذ
صغري وأنا أكره عادة تقبيل اليد احترامًا لفلان أو علان.. لم أكن أحبها، وكنت
أراها ذلًا على الرغم من عدم إدراكي لمعانيها وأبعادها في طفولتي.. وفي حياتي لم أٌقبّل
يد أحد –من باب الاحترام والتقدير- إلا مرات قليلة معدودة، وفي مناسبات محدودة.
ولئن
أقنعنا أنفسنا بأن هذه العادة في بعض الأحيان تعبر عن نوع من الاحترام والتقدير،
إلا أن تكرار هذه العادة صباحًا ومساءً تصبح نوعًا من الإذلال أكثر من كونها
احترامًا.. فما معنى أن يقبل الابن يد والده أربع أو خمس
مرات في اليوم ثم يتبعها بأن يضع جبينه على يد والده ليظهر مزيدًا من الانصياع؟؟!!
لقد
سررت حينما أخبرني أحد مشايخي بأنه يرفض أن يقوم أبناؤه بتقبيل يده، وقال:
"هناك عدة طرق بإمكان أولادي أن يعبروا عن برهم وحبهم لي غير تقبيل
اليد".
لو
حاول أحد أن يستثني الوالدين لفضلهما ويرى أن هذه
العادة يحسن ممارستها مع الوالدين فقط، فليس له إلا أن
يقشعر جلده وهو يرى أجسادًا تنحني لتقبيل يد طفل صغير لأنه ابن رئيس الدولة!! أو
يرى بعض الموظفين يقبلون أيادي المسئولين في الصباح والمساء طالبين البركات.
كتب
الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مقالًا بعنوان "تمارين على الذل" ختمه
بهذه العبارة: "أعجبني من وزير كبير رفضه أن يقبل يده أحد الموظفين.. وكم أود
أن يختفي تقبيل اليد وإحناء الهامة من مجتمعاتنا، وبخاصة في البيئات المنسوبة
للدين، لأن ذلك إن دل على الحب والتقدير في حالة، فهو يدل على الذلة والزلفى في
ألف حالة" [كتاب تأملات في الدين والحياة: محمدالغزالي، ص 114].
إن تقبيل اليد هي واحدة من تمارين
الذل التي يحرص بعض القادة على أن يمارسها الأتباع بين أيديهم، فما معنى أن يحرص
شخص كان مسؤولًا يومًا ما -فيما يسمونه دولة فلسطين- على ألا ينزل من السيارة إلا
بعد أن ينزل المرافق ليفتح له باب السيارة؟! أو ألا يدخل إلى باب مؤسسة إلا بعد أن
يدخل المرافق أولًا ويفتح باب المؤسسة له؟! وإذا أراد أن يخلع الجاكيت في مكان ما
فعلى المرافق أن يجري بسرعة كي ينزعها عنه؟! [لو كانت تحدث في مرات قليلة أو في
مواقف يفرضها البروتوكول الرسمي لكانت مبررة، لكن أن تكون عادة دائمة فهنا
المشكلة].
إن هذه الأمور -التي قد يراها
البعض تافهة- لها آثار في حياة الناس، فهي تمارين تعلم الناس الذل والاستعباد كما
يرى الشيخ الغزالي.. وقبل إنهاء المقال من الجيد أن نتساءل: ما قيمة تقبيل يد المسؤول مرارًا وتكرارًا من إنسان لا يقبل يد
والديه إلا نادرًا؟! وما قيمة تقبيل يد الوالدين في ظل عقوق صارخ يفصح عن
نفسه في مواطن شتى؟!
ملاحظة قبل الوداع: هذا المقال لا يصدر فتاوى في حكم تقبيل اليد، كما أن صاحب المقال لا يرفض تقبيل اليد احترامًا وتقديرًا في أحيان معينة.
بارك الله فيك هؤلاء بيمشحو جوخ.. 😊
ردحذف