العابدون الآثمون!!

العابدون الآثمون!!
نور رياض عيد

تسمع أحيانًا شكاوى من الناس عن بعض الموظفين بأنهم يؤخرون مصالح الناس بحجة الصلاة أو الانشغال بالعبادة.. فمثلًا تستغرق صلاة الظهر عند بعض الموظفين أكثر من نصف ساعة، وقد ينتظر الناس طويلًا على باب أحد الموظفين لأنه يقرأ القرآن، ويصر بعضهم على أن يغادر مكان العمل ليؤدي الصلاة في المسجد مع علمه أن ذهابه سيزيد من وقت انتظار الناس، وتسمع عن مسؤول يقصر في حل مشكلات الناس وحجته أنه يخلو بنفسه للعبادة.
هذه المشاهد وغيرها، تشير إلى وجود خلل في فهم التدين عند بعض المسلمين، وهذا يقتضي تعزيز المفهوم الشامل للعبادة، فالأجر لا يناله المرء بأداء الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وغيرها فحسب، بل إن كل عمل يفيد الإنسانية هو عبادة تقربه من ربه، وقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية العبادة بأنها: "اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة".
وعلى المسلم أن يتذكر أن أداء الصلوات الخمس في أوقاتها فريضة، وإتقان العمل كذلك فريضة: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء.."، فإذا كنت تحرص على قراءة القرآن والأذكار والصلوات لتنال الأجر، فكذلك إتقان كل واحد منا لعمله، وتفننه في خدمة الناس، وحرصه على قضاء مصالحهم في أسرع وقت وأفضل طريقة هي قربات تقربنا من ذي الجلال والإكرام، وينبغي أن نوازن بين العبادات المختلفة، وألا تتضخم إحداها على حساب البقية.
جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ" والصوم المنهي عنه في الحديث هو صوم التطوع، لأنها بذلك تضيع فريضة وهي حق الزوج... وعلى المرأة المتزوجة يقاس كل من يعطله الصيام عن حقوق الآخرين، فمن الصيام المحرم صوم النافلة للمدرس أو الموظف الذي يمنعه صومه عن القيام بواجبه، كما أفتى الشيخ القرضاوي.
ولا نكون قد جانبنا الصواب إذا قلنا بأن العامل أو الموظف الذي يمضي معظم ليله قائمًا مصليًا، وهو يعلم أن قيامه بهذه الطريقة سيجعله متكاسلًا في عمله، وسيدفعه النعاس للهرب من عمله قبل انتهاء الدوام الرسمي مما سيضر بالناس، يكون آثمًا عاصيًا، لأنه قدم نافلة على فريضة، فما بالنا إذا كان يسهر لانشغاله بأمور ليست من قبيل العبادات الشعائرية؟! وقد نقل ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري كلمة قيمة لبعض الأكابر، جاء فيها: "من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور" (11/343).
وقد ذكر الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية أنه يجب على الخليفة –وينطبق الأمر على كل مسئول- أن يشرف على الأمور بنفسه، وألا يفوض المهام لغيره تشاغلًا بلذة أو عبادة، لأن غيره قد لا ينقل له حقيقة الواقع، وقد يخدعه في توصيف المشكلات التي يعاني منها الناس.
لقد حدثنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلًا يتقلب في الجنة -متنعمًا بملاذها- في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس، وأخبرنا أيضًا كيف ابتلى الله العابد جريج بالنظر في وجوه الزانيات استجابةً لدعوة أمه التي كانت في حاجته، وجاءته إلى صومعته ونادت عليه ثلاث مرات، لكنه لم يجبها انشغالًا بصلاته.

ويحسن في الختام أن ننبه إلى أن هذا المقال ينتقد هذا الأمر عند من ينشغلون بعبادة شعائرية، فماذا نقول في الموظف الذي ينتظره المواطنون بينما هو يلعب على الحاسوب، أو يتابع حسابه على الفيس بوك؟ أو يغادر عمله قبل انتهاء الدوام إيثارًا لراحته الشخصية؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟