وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ؟!
وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ
إِلَّا مَنْ قُتِلَ؟!
نور رياض عيد- غزة
من الظلم لمفهوم الجهاد في الإسلام أن نتعامل
معه على أنه مجرد حمل سلاح فقط، فالجهاد أوسع من ذلك بكثير، فكل مصلحة يحتاجها
المجتمع فإنها تعد ثغرًا شاغرًا يحتاج لمرابطين عليه، وحينما تهتم الأمة بالثغور
العسكرية وتترك بقية الثغور فإن الحصون بذلك تكون مهددةً من الداخل.
ويكفي أن نعلم أن جهاد الحجة
والبيان أسماه القرآن الكريم (الجهاد الكبير) حيث قال تعالى: "فلا تطع
الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا" أي جاهدهم بالإسلام أو القرآن، وقد رد
الإمام القرطبي على من أراد إقحام الجهاد بالسيف في الآية بقوله: "وَهَذَا
فِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ
بِالْقِتَالِ" [تفسير القرطبي، (13/58)].
وإن اعتبار "سبيل
الله" هو العمل القتالي فقط كان أحد الظنون الخاطئة عند الصحابة، فبينما كان
الصحابة مجتمعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ رأوا شابًا قويًا يعمل بجد
ونشاط، فتمنوا لو جعل هذا الشاب نشاطه وقوته في الجهاد في سبيل الله عز وجل، فلما
سمعهم النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين لهم المعنى الواسع للعمل في سبيل
الله، فقال: (وَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ؟) وفي رواية (إلا من
قَتَل)، ثم وسع النبي المفهوم فقال: (مَنْ سَعَى عَلَى وَالِدَيْهِ فَفِي سَبِيلِ
اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى عِيَالِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى
نَفْسِهِ يَعُفُّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ)، ولقد جاءت أحاديث نبوية عديدة تبين
للأمة أن الجهود التي تبذل في مساعدة الناس هي شكل من أشكال الجهاد، فقد جاء رجلٌ
إلى النبي عليه الصلاة والسلام فَاسْتَأْذَنَهُ
فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟)، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
(فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)، وفي حديث آخر: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ
وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ: كَالَّذِي يَصُومُ
النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ".
إن أمتنا تعاني من أمراض داخلية كثيرة تنخر في جسدها، ومن هذه الأمراض غياب
العدالة الاجتماعية، والفقر، وانتشار الغش والفساد، والبطالة، وزيادة معدلات
الطلاق، وضعف التعليم، وقلة النظافة، وضعف المستوى الطبي، والإدمان.. إلخ، وإن القيام
بالواجب الشرعي يقتضي وجود فئة تتصدى لكل مشكلة من هذه المشكلات.
وعلينا أن نعي أن الذين يقومون بهذه
المهمات هم مجاهدون، فالأطباء والمدراء والمعلمون والعمال والتجار والموظفون
والمهندسون هم مرابطون مجاهدون في سبيل الله، ولهم عظيم الأجر عند الله إذا أدوا
أعمالهم بإتقان وإخلاص.
لقد تغيب عثمان بن عفان رضي
الله عنه عن غزوة بدر، ليقوم على رعاية زوجه –بنت رسول الله- المريضة، فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا
وَسَهْمَهُ".
ولأن رعاية شؤون الناس مهمة
عظيمة وأجرها كبير، استخلف سيدنا رسول الله الصحابي الجليل علي بن أبي طالب يوم
تبوك على المدينة المنورة، ليقوم برعاية شؤون الناس المتبقين فيها من النساء
والصبيان، فقال له علي متألمًا: يَا رَسُولَ اللهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ؟ فكان الجواب النبوي: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي
بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي".
إن الإسلام دين جاء ليبني
الحياة، ويحقق مصالح الناس، وما شرع الجهاد العسكري إلا للدفاع عن الناس، ولن يؤتي
الجهاد المسلح ثماره إلا إذا سددنا بقية الثغور، بل إن المجاهد الذي يحمل السلاح
يحتاج إلى من يخلفه في أهله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "وَمَنْ خَلَفَ
غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا".
مقالات ذات صلة:
بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا بصراحة كلام جميل جدًا
ردحذف