نحتاج إلى أقفية!!
نحتاج إلى أقفية!!
نور رياض عيد- غزة
لقد كان المؤرخ نبيه فارس ثاقب الفكر وهو يكرر
تلك العبارة القائلة: "إن العرب والفلسطينيين لا يحتاجون عقولًا البتة، بل
أقفية" ويقصد بذلك أننا نمتلك عقولًا ذكية لكن ما ينقصنا هو أن يجلس الأذكياء
على كراسي الدرس، ويمضون الساعات والسنوات الطويلة منكبين على الكتب لدراسة
التجارب، وإجراء الأبحاث والدراسات المعمقة، التي يزود بها صناع القرار ورجال
الإعلام والسياسة([1]).
ومن الملاحظ أن فصائل العمل الوطني تنجح في
استنفار الناس للعمل المسلح، وتقديم التضحيات وتحقيق الإبداع العسكري رغم قلة
الإمكانيات، بينما لا زالت تلك الفصائل تفشل في تحقيق نجاح كبير في عالمي السياسة
والثقافة، وربما يكون هذا أحد أسباب آلامنا.
إن من أكبر مشكلات السياسة أن يفكر السياسي
بعقلية الجندي المقاتل، أو بعبارة أخرى أن يسيطر التفكير العسكري على السياسيين،
فيشيع في تفكيرهم: "ليس لدينا ما نخسره، وعليّ وعلى أعدائي، سنقاتل حتى آخر
رجل، والعالم كله ضدنا ولا فائدة من كسبه إلى صفنا، ولا بد أن يرضخ العدو لكل
شروطنا ... إلخ"، وبذلك نعطي إجازة مفتوحة للعقل والفكر لتبدأ السواعد تعمل
دون تفكير في النتائج، ويصبح حامل القلم والكتاب لأجل خدمة القضية متخاذلًا، وحامل
السلاح بطلًا، ويصدق فينا قول الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز: «مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ
عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ».
لم تعد المعارك كما كانت بالأمس تتم بالسيوف
والرماح وينتصر فيها الأكثر عددًا، إنما أمست المعارك اليوم معارك عقول وأدمغة،
معارك ليس بالضرورة أن تحسم في الميدان، فالعمل السياسي هو مواصلة للحرب لكن بأدوات
أخرى، وإعداد السياسي الناجح لا يقل أهمية عن إعداد الجندي المقاتل، وسيكون
السياسي أشبه بالانتحاري إن لم يهتم بدراسة الواقع المحيط، ودراسة فقه الواقع وفقه
الأولويات، وفقه الموازنات، والدراسة لابد أن تكون حقيقية وطويلة وواعية وناقدة.
هناك في مراكز الأبحاث والدراسات في الدول المتقدمة
يرابط اليوم فيها جنود مقاتلون لكنه قتال من نوع آخر بعيدًا عن أزيز الرصاص وقصف
الطائرات، ودورهم أعظم من الجنود المقاتلين، هؤلاء المفكرون والعباقرة يرسمون
سياسات دولهم ويقدمون الأبحاث والدراسات الجادة والواقعية ولذلك كان موفقًا من
أطلق عليهم اسم "الدبابات الفكرية".
تعليقات
إرسال تعليق