لا تقعدي يا هند!!
لا تقعدي يا هند!!
نور رياض عيد
"اقعدي يا هند" ملأت هذه العبارة
مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على إثر انتشار مقطع مصور يحاول فيه أحد النواب
الأردنيين إجلاس نائبة كانت تقف بجواره تجادل نائبًا آخرًا، وهو يصرخ: اقعدي يا
هند.. وهند تأبى!!
لم يكن الأمر الملفت بالنسبة لي هو مشهد الصراخ
بين النواب، فهو أمر متكرر في حياتنا، لكن المستفز في المشهد هو توظيف الدين بصورة
سيئة، فعجز النائب عن إجلاس "هند" جعله يدعو على مَن جاء بالكوتة
النسائية إلى البرلمان، ثم استدل على كلامه بجزء من حديث نبوي: "وَصَلَاتُهَا فِي
مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا" -علمًا أنه لم يأتِ
بنفس ألفاظ الحديث المذكور ولكن الفكرة واحدة- ولا يهمني تحليل المقطع وبيان المحق
من المخطئ فيه، ولا أوافق تلك النائبة -التي لا أعرفها أصلًا- على طريقة حديثها، لكني
بصدد التعليق على الاستدلال بالنصوص الدينية في تهميش المرأة.
وللأسف يريد بعض المسلمين
أن يفرض ذكوريته وأن يهمش المرأة باسم الدين، ويلصق ذلك بالأحاديث النبوية، وكأن
الرجال لا يصرخون ولا يتصارعون.
ومن يعقد مقارنة، سيقف
على الفرق الشاسع بين دور المرأة والمساحة الكبرى التي كانت تتحرك فيها في المجتمع
النبوي وبين مجتمعاتنا اليوم، والمحزن أننا نريد أن نلبس بعض عاداتنا وتقاليدنا
الظالمة لباس الدين، فنقتطع حديثًا واحدًا -دون فهم ملابساته- لنخرج بحكم شرعي كلي،
وما هكذا يُفْهَم الدين، ولا هكذا يتعامل مع الآيات والأحاديث، ويكفينا أن نقرأ
هذا الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي
الْمَسْجِدِ" فلم يعجب أحد أبناء ابن عمر ذلك، فقال لأبيه: إِنَّا
لَنَمْنَعُهُنَّ، فغضب والده غضبًا شديدًا، وقال: أُحدّثُك عن رسول اللَّه r وتقولُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ؟
والقرآن الكريم يلفت
انتباهنا لنموذج قيادي نسائي هو: بلقيس، تلك المرأة التي أظهر لنا القرآن رجاحة
عقلها والتزامها بالشورى: "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي
أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ".. بينما يذكر
القرآن أحد النماذج القيادية الرجالية السيئة: وهو فرعون الذي يظهر فيه الغباء
والطغيان والتسلط، وليس الهدف هو تفضيل أحد الجنسين، ولكن الهدف هو بيان أن
الكفاءة هي المعيار وليس الذكورة أو الأنوثة.
وكان رأي أم المؤمنين
أم سلمة سببًا في إنقاذ الصحابة من خطر عظيم كان يمكن أن يحيق بهم وهم يتأخرون عن
تنفيذ أوامر النبي بعد توقيع صلح الحديبية، فدخل على أم سلمة فأشارت عليه أن يخرج
فينحر ويحلق فيراه الناس فيفعلون كفعله، وهكذا كان رأي المرأة منقذًا لأمة.
النصوص الدينية التي
من الممكن أن تذكر في الحديث عن دور المرأة الواضح والمميز كثيرة يصعب حصرها، لكن
من المهم أن نؤكد أنه لا يجوز بحال أن نهمش المرأة باسم الإسلام الذي كرمها
وأعطاها مكانتها.
تعليقات
إرسال تعليق