فلا جهاد له!!

فلا جهاد له!!
نور رياض عيد

يخرج النبي r مع أصحابه إلى غزوة من الغزوات، وأثناء مسيرهم يُضَيِّق المجاهدون الطريق على الناس، فلم يرضَ عليه الصلاة والسلام بذلك، ولم يعتبر أن خروجهم للدفاع عن الأمة والجهاد في سبيل رفعتها عذرًا مقبولًا للاعتداء على الحق العام، بل أمر النبي r مناديًا أن ينادي على الجيش الذي يتجهز للقتال، ليقول له: "مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَهُ" [مسند أحمد بإسناد حسن].
وما أقوى تلك الكلمات التي نطق بها سيدنا النبي!! ويا لجمال شوارع تلك البلدان التي تطبق هذه المعاني!! وللأسف فإن أبناء أمة الإسلام اعتادوا اليوم على التغول على كل شيء عام، ولك أن تلاحظ حجم الانتهاكات التي تتعرض لها الشوارع العامة، فبعض الناس لا يجد حرجًا -إن لم تمنعه السلطات الحاكمة- من أن يوسع بيته على حساب الطريق، وبعضهم قد يضع مواد بنائه لمدة طويلة في وسط الطريق ويغلق على الناس طريقهم دون أن يفكر مجرد تفكير في أن يرفعها أو حتى يقلل من حجم المساحة التي تشغلها، وبعضهم قد يسرق الأنوار أو الكراسي الموجودة في الطرق، وأما عن عدم الحفاظ على نظافة الشوارع في بلادنا فتلك قضية أمست عادية، لا تثير استغرابًا.
من المهم أن نلفت انتباه الناس دومًا إلى أن الحفاظ على الممتلكات العامة هو واجب ديني قبل أن يكون مطلبًا قانونيًا، وأن من يقترب من الملك العام فإنه يرتكب معصية، ومن الأحاديث التي تؤكد هذا المعنى، قوله :r "مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ" وقد قال الإمام أبو داود: "يَعْنِي مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ، وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا، وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ -يَكُونُ لَهُ فِيهَا- صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ".
وكذلك فإن من القربات التي يتقرب بها المسلم لربه، أن يرفع كل شيء يؤذي الناس في طريقهم، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ".
إنه لمن المؤسف في حق أمة يعلمها نبيها أن الحفاظ على الطرق العامة عبادة أن تكون شوارعها ضيقة وقذرة وتتعرض للاعتداء الدائم من المسلمين، بينما تعتبر الشوارع في كثير من الدول غير الإسلامية آية من آيات الجمال والترتيب والنظام.
جميل أن نهتم بإبراز المعاني الحضارية التي اعتنى بها الإسلام، ليس من أجل أن نرددها كشعارات نحاول أن نغطي بها على واقعنا المليء بالكسل والتقصير، بل لتكون دافعًا للمسلمين كي يجعلوا من بلادهم انعكاسًا جميلًا وتطبيقًا مميزًا لأوامر دينهم، دين النظافة والترتيب واحترام الملك العام.

تعليقات

  1. اللهم اجعل لنا في كل اعمالنا اجرا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟