وفي البداية كانت: "اقرأ"
وفي
البداية كانت: "اقرأ"
نور
رياض عيد
من
بين كلمات القرآن الكثيرة كانت البداية: "اقرأ"، وعلى الرغم من تعدد
الأوامر التي أُمِر بها المسلم من صلاة وزكاة وصيام وحج وبر والدين وصلة أرحام، إلا
أن الأمر الأول كان "اقرأ".. ومن العيب في حق أمة أول كلمة في دستورها
"اقرأ" أن تكون في ذيل قافلة الأمم القارئة، وأن يكون أبناؤها من أقل
الناس صداقة للكتب.
"إن
متوسط معدل القراءة في الوطن العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويًا، بينما تصل معدلات
القراءة في أميركا إلى أحد عشر كتابًا للفرد سنويًا" هذا ما توصلت إليه دراسة
حديثة، ومن حق بعضنا أن يثير تساؤلات حول دقة وتفاصيل هذه الأرقام، لكن المتفق
عليه أن أمتنا تعاني من مشكلة واضحة في هذا الجانب، فنسبة العرب الذين لا يجيدون
القراءة والكتابة 27% في أقل التقديرات، فضلًا عن المتعلمين الذين لا يقرؤون.
إن
رسول الله عليه الصلاة والسلام جعل فداء عدد من أسرى المشركين يوم بدر أن يقوم
الواحد منهم بتعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة.. وإن هذه الحادثة جديرة
بالتأمل في تاريخ أمة كانت أمية، لكننا لا نعجب أن يصدر هذا الفعل من الرسول عليه
الصلاة والسلام الذي كان يريد بناء أمة قوية، فهو يعلم مكانة القراءة في بناء
الأمم وصناعة الحضارات، وينبغي على المسلمين أن يتأملوا هذا العمل جيدًا، وأن
يراجعوا الميزانيات التي تنفق على القراءة والبحث العلمي في بلادهم.
إن
حصول المرء على الشهادات لا يعني أنه أمسى مثقفًا، فميدان العلم والثقافة متسارع
الخطوات وفيه كل يوم جديد، والذي لا يقرأ بصورة مستمرة ستتآكل ثقافته، فالثابت
متراجع كما يقولون، وحيازة الشاب لشهادة جامعية مهما كانت هو بداية العلم وليس
نهايته، ومن أجمل ثمار التعليم أنه يفتح لصاحبه باب علم آخر، فالكتاب يدعوك لقراءة
كتاب غيره، والذي لا تفتح عنده قراءته علامات استفهام جديدة ليس قارئًا جيدًا... والمسلم
دومًا يردد دعاء القرآن الكريم: "وقل رب زدني علمًا".
ومن
المشكلات التي تعاني منها أمتنا أنك تجد "في شباب العالم الإسلامي من عندهم
استعداد لبذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الإسلام، ولكن قلَّ أن تجد فيهم من يتقدم
ليبذل سنين من عمره ليقضيها في دراسة جادة، لينضج موضوعًا، أو يصل به إلى تجلية
حقيقية" كما يقول المفكر جودت سعيد.
من
المحزن أن تسأل أحد الشباب عن آخر كتاب قرأه فلا تجد لديه إجابة سوى أن آخر ما قرأ
هو كتاب المقرر الدراسي سواء في المدرسة أو الجامعة.
يا شباب.. علينا أن نعلم أن القراءة ليست
ترفًا في واقعنا، بل هي فريضة واجبة لنتخلص من أزماتنا، يقول الكواكبي: "ما
انتشر نور العلم في أمة قط إلا وتكسرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدين من
رؤساء سياسة أو رؤساء دين".
إن
الشاب الذي يحمل بيده كتابًا ويهدف من وراء قراءته أن يصل لحلول لمشكلات أمته، لا
يقل أهمية عن الذي يحمل سلاحًا ليقاتل به أعداءها، والأمم التي تعتمد على السلاح في معاركها دون أن تسنده بالكتب ستفشل مخططاتها،
وستضيع مقدراتها ومقدساتها.
ودولة
السيف لا تقوى دعامتها ما لم تكن
ساندتها دولة الكتب.
تعليقات
إرسال تعليق