لو عاد صلاح الدين!

لو عاد صلاح الدين!!
نور رياض عيد

"لو عاد صلاح الدين لفعل وفعل، ولقادنا نحو التحرير" على هذه الفكرة ينام بعض الناس ويستيقظ، وكأن صلاح الدين- أو أي قائد آخر- سيأتي حاملًا بيده العصا السحرية وسيقودنا نحو القدس ونحن على ما نحن عليه!!

من الأخطاء التي وقع فيها بعض الكتاب والمؤرخين أنهم حينما كتبوا تاريخنا نسبوا الإنجازات والانتصارات والنجاحات الكبرى لشخصية القائد فقط، فمن القائد يبدأ النصر وله تهتف الجماهير، وفي مدحه تدبج الخطب وتكتب القصائد، وبذلك يكونون قد دفنوا جبال الجهود التي بذلتها الأمة في صناعة النصر.

وهذه النظرة يترتب عليها في واقع المسلمين سلبيات عديدة، منها:
-      أن تعتاد الأمة على الكسل والسلبية والاتكالية تنتظر القائد المخلص الذي يقودها نحو النصر، ويصبح المسلمون وكأنهم لا شيء بأيديهم ولا عمل لهم سوى الانتظار.
-      إبعاد الأنظار عن التفكر في الأمراض الحقيقية التي تنخر في جسد الأمة، والتي أفرزت فيها مشكلة القابلية للتخلف والاستعمار.
-      هذه الفكرة تنمي في نفوس القادة روح الديكتاتورية والانفراد في التخطيط والتنفيذ، ويرفضون أي مشاركة في العمل، وهكذا تشقى الأمة برأي الفرد.

ولقد جاء كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" للدكتور ماجد الكيلاني ليشكل إضافة قوية ونوعية، يدلنا من عنوانه على أن تحرير بيت المقدس لم يكن إنجاز صلاح الدين الأيوبي لوحده، وأن صلاح الدين –وهو قائد فذ عظيم- لم يكن القائد الخيالي الذي جاء لأمة نائمة متخلفة فقادها نحو العزة والتمكين.

إن صلاح الدين الأيوبي هو فرد من جيل، هذا الجيل قرر فيه الرجال والنساء.. المواطنون والأمراء.. العسكريون والعلماء.. أن ينقذوا أمتهم، ويغيروا واقعهم، فقام كل منهم بدوره المطلوب منه، وحدد كل منهم أولوياته فبدأ بها، وشخّصت كل فئة أمراضها فعملت على التخلص منها، وكان البدء بإصلاح الأنفس، ويمثل كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام أبي حامد الغزالي أحد الكتب التربوية المهمة في تلك الفترة.

إن إشاعة فكرة أن الجميع مسئول عن صناعة النصر في مجتمعاتنا المعاصرة، يجعلنا نجني ثمارًا طيبة، ويحرك الجميع نحو القيام بواجباتهم، مرددين تلك المقولة الجميلة: "المشاريع الصغيرة الواقعية خير من الشعارات الكبيرة الخيالية"، وأن كل جهد نحو البناء -مهما كان صغيرًا- فإنه يقدم الأمة خطوة نحو أهدافها.

يا شباب.. نحن في أمس الحاجة اليوم أن نطوي صفحة ذلك الخطاب العاطفي التخديري، الذي يمني الجماهير –المليئة بالمشكلات والأمراض المعيقة- بمجيء قائد منتظر يقودها نحو النصر، وكأن سنن الله في الكون ستستثني هذه الأمة، وستتغير من أجلها.

لا أحد ينكر دور القائد في صناعة واقع أمته، لكن القيادة في عالمنا اليوم ليست فردية بل هي منظومة مؤسسات متكاملة، وهذه المؤسسات هي الابن الشرعي للمجتمع، فالمجتمعات الراقية تنتج قيادات جيدة.

فالأمة اليوم تنتظر من شبابها الكثير.. والله أسأل أن يعينني وإياكم في هذا المقال الأسبوعي على مناقشة مشكلات الشباب، وطرح الأفكار وقصص النجاح التي تعيننا على العمل والإبداع. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟