وعليك واجبات!!
وعليك واجبات!!
نور رياض عيد
"حقوقي على والديّ- حقوقي على معلمي-
حقوقي على الحكومة- حقوقي على جاري- حقوقي على زوجي- ..."
سلسلة طويلة من الحقوق يطالب بها الناس، لكن
لماذا لا يلتفت كل واحد منا إلى الواجبات المطلوبة منه بنفس الدرجة التي ينادي بها
بحقوقه؟ لك حقوق ولا جدال في ذلك، لكن عليك واجبات كذلك.
ليس بالإمكان تصور الحق دون الواجب، فحقك ما هو
إلا واجب على غيرك، وحق غيرك لا يمكن أن يتحقق إلا بأدائك لواجبك، وإن تقصير أحدنا
لا يبرر للآخر أن يجاريه في تقصيره، فتقصير الأب في حق ابنه، لا يبرر عقوق الابن
لوالده.
حينما تشيع ثقافة
الأنانية، ويصبح شعار كل واحد منا: "لن أقوم بالمطلوب مني حتى أحصل على جميع
ما لي من حقوق"، فإن هذا يؤذن بانهيار المجتمع ودماره، لذلك جاء في الحديث
الشريف أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "سَتَكُونُ
أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا
تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ
اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ".
في المشكلات الزوجية تسمع كل طرف يتهم الآخر
قائلًا: "يقصر في واجباته تجاهي"، لكن هل شعر بتقصيره؟ وقد قال رب العالمين
سبحانه وتعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"..
وإن لقيام الإنسان بواجباته بركة تحل على المجتمعات، فتسري عدوى القيام بالواجب في
جسد المجتمع كله.
إن
من الأمور التي تميز الإسلام عن غيره من الأفكار الأرضية التي تشيع اليوم أنه يقرن
بين الحق والواجب، فلا يركز على حقوق الشعوب دون واجباتها، بل يعتبر أن من حق -بل
من واجب- الشعوب أن تطالب بحقوقها، لكن يقترن ذلك بقيامها بواجباتها.
من المؤسف أن بعض الناس صار شغله الشاغل أن
يتكلم ليلًا ونهارًا عن حقوقه، دون أن يتكلم ولو للحظة عن واجباته التي قصر فيها..
إن هذه الطريقة في التعامل مع الأمور تجعل بلادنا تشتعل بالجدل والكلام، بدلًا من
أن تتحول إلى ورش للعمل والإنتاج والعطاء، فالعربة الفارغة أكثر ضجيجًا من
الممتلئة كما يقولون.
إن المجتمعات لا تقوم على أصحاب الضجيج الفارغ،
بل تقوم على الذين يحركهم الشعور بالواجب، فهم يرون أنفسهم ملزمين أن يقوموا بكل
شيء يقدرون عليه في سبيل نصرة أمتهم حتى وإن لم يذكرهم الناس، فحسبهم أن الله
يذكرهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ
فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ
كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ
فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ
يُشَفَّعْ".. إن هذا الصنف من البشر كلما ازداد في مجتمعاتنا جَنينا نجاحًا
وفلاحًا.
تعليقات
إرسال تعليق