انتظرني خمس دقائق!!

انتظرني خمس دقائق!!
نور رياض عيد

من الظواهر المزعجة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية ظاهرة التهاون في المواعيد، حتى أمسى (الوعد الشرقي) علامة على التأخير أو عدم الالتزام، وفي مرات كثيرة تسمع من بعض الناس عبارة: "انتظرني خمس دقائق" فتصبح الخمس دقائق عشرين، والمؤذي أن إخلاف المواعيد منتشر بين معظم فئات المجتمع (أطباء- محاضرين- خياطين- عمال- سائقين) وغيرهم.
ونظرًا لأهمية خلق الالتزام بالعهود والوعود، أثنى القرآن الكريم على نبي الله إسماعيل عليه السلام بأنه كان صادق الوعد، فقال تعالى: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا(، يقول الإمام القرطبي معلقًا على هذه الآية: "صدق الوعد محمود وهو من خلق النبيين والمرسلين، وضده وهو الخلف مذموم، وذلك من أخلاق الفاسقين والمنافقين".
إن المسلم مطالب أن يقيم للموعد وزنًا، وأن يشعر أنه يرتكب إثمًا إن أخلف موعدًا.. ولقد كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم واضحًا مع أبناء أمته إذ أخبرهم أن إخلاف الوعود علامة من علامات النفاق، حيث قال: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ".
والإسلام يربي أبناءه على الالتزام بالمواعيد الدقيقة، فالصلاة لها مواقيت محددة، والصائم إذا أكل متعمدًا قبل غروب الشمس فإنه يعد مفطرًا، والحج له أوقات محددة، والزكاة تتعلق بحولان الحول [أي مرور عام على المال البالغ للنصاب]، وزكاة الفطر لها موعد، وللمسح على الخفين مدة محددة، وهكذا.
ومن العادات القبيحة التي تسود بين بعض الناس اليوم تلك المواعيد المائعة غير المضبوطة بدقة، فتجد أحدهم يعطيك موعدًا بعد العشاء مثلًا، وبعد العشاء وقت طويل فأي ساعة تريد أن تأتي؟ يقول الشيخ علي الطنطاوي: "الإسلام لا يعرف هذه الوعود المائعة: قبل الظهر، بين الصلاتين، بعد المغرب، بل يعرف الوعد المضبوط ضبط الساعة: ضبط أوقات الصلاة، وأوقات الإمساك والإفطار".
إن التهاون في المواعيد ينتج عنه سلبيات كثيرة، منها: ضعف الثقة بالمتهاون، وانتشار مرض التهاون والتفلت من المواعيد، وعدم إنجاز الأعمال، وقد يترتب على ذلك إيغار الصدور وحمل الأحقاد، فكم من صداقة انتهت لأن أحد الأشخاص كان لا يحترم أوقات زملائه! وكم من مشروع لم يحقق أهدافه المرجوة لأن المشاركين فيه لم يكونوا يقيمون للمواعيد وزنًا!
     إذا أراد الواحد منا أن يستشعر حجم الضرر الذي يرتكبه المتأخر عن موعده، فليتخيل أن محاضرًا تأخر عن محاضرة مدة عشرين دقيقة، وكان بانتظاره مائة وخمسين شخصًا، فيكون قد ضيع على المنتظرين ألفي دقيقة، أي ما يساوي خمسين ساعة.
إن التأخر عن الموعد يؤذي من ينتظِر، فكيف بمن يتغيب عن الموعد كليًا دون اعتذار؟! وإذا قابلته بعد ذلك، يقول لك ببرودة: سامحني لقد نسيت!!

في ختام هذا المقال، فإني أدعوك أن تقرأ الكتاب الصغير الذي بعنوان "ظاهرة التعاون في المواعيد" للدكتور محمد موسى الشريف، لعله يستفزك كي تلتزم بمواعيدك.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السخرية من سن التسعين!!

إيثار.. لا يخطر على بال!!

هل يجوز رفع صوت الراديو بالقرآن الكريم إذا كان يؤذي الجيران؟