ما قبل منع الحفلات!!
ما قبل منع الحفلات!!
نور رياض عيد
كتبت قبل قرابة عام مقالًا بعنوان: "ما قبل حد الرجم" وكان
تعليقًا على قيام تنظيم الدولة –المعروف باسم داعش- بإقامة حد الرجم على امرأة في
سوريا.. ولم يكن اعتراضي على حد الرجم المعروف في ديننا، وإنما كان الاعتراض على
مراعاة الأولويات والموازنات وفقه الواقع في تلك القضية... واليوم أكتب هذا المقال
حول قرار وزارة الداخلية تنظيم إقامة الحفلات وبيوت العزاء في شوارع غزة، راجيًا من
الله أن يرزقني الفهم والإخلاص، مقدرًا حسن النوايا لدى الإخوة في الداخلية
وشاكرًا لهم حرصهم على نفع المجتمع.
لا خلاف على ضرورة أن تظهر شوارعنا منظمة، وأن تبذل الحكومة كل جهدها
من أجل تنظيم حركة السير، ولا خلاف على ضرورة أن يتم منع كل شيء يؤذي المواطنين
ويقلق راحتهم.. وقد كتبت مقالًا حول هذا الموضوع نشرته على مدونتي منذ أشهر
بعنوان: "فلا جهاد له".. لكن من الواجب
أن يكون العمل بقدر الطاقة ووفق الإمكانيات مع مراعاة الأولويات والموازنات،
ولتوضيح رأيي، أضع النقاط التالية:
أولًا: الطريقة التي خرج بها الخبر كانت
خاطئة من وجهة نظري، فالخبر المنشور على موقع وزارة الداخلية بغزة، انتهى
بقرارين هما: (أولاً:
إعادة تنظيم إقامة الحفلات وبيوت العزاء بما يمنع أية آثار سلبية...ثانياً:
سيتم تنفيذ القرار بدءاً من مطلع يناير 2016م) والكلام حينما يصدر عن وزارة الداخلية ينبغي أن يكون دقيقًا وواضحًا
ومكتوبًا بصياغة قانونية محكمة -خاصة إذا تعلق بقرار اجتماعي يمس حياة الناس- كي
لا يساء فهمه وتأويله... ثم إن التعديلات التي صدرت بعد ذلك عن الناطقين باسم
الوزارة من أجل تلطيف الخبر كانت جيدة ولكنها غير كافية، والتي أفادت أن القرار
خاص بالشوارع الرئيسية فقط... [ويبقى التساؤل: لماذا التسرع في الإعلان عن قرار
كهذا ثم نحاول التعديل عليه؟]
ثانيًا: لماذا تعتمد حكومة غزة التي تديرها
حماس دومًا على وزارة الداخلية؟ أو بعبارة أخرى: لماذا التفكير دومًا بالمنطق العسكري القانوني البحت؟
تخيل لو تركت حكومة غزة مدة سنة أو أكثر لوزارة الأوقاف ووزارة التعليم،
ومؤسسات المجتمع المدني، ورجال الإصلاح والوجهاء والمثقفين كي يتحركوا ويصنعوا
رأيًا عامًا، وينظموا الحملات واللقاءات والمحاضرات كي يجمعوا توقيعات حول
الموضوع... وتعمل هي على أن تتواصل معهم وتحرك الموضوع عندهم طوال العام!!
اعملوا على الثقة بالناس وتحريك الإيمان الذي بداخلهم، واعتمدوا على الوطنية
التي تسكن قلوبهم... ثم بعد ذلك أصدروا قرارًا يتبناه معظم المجتمع الفلسطيني.
ثانيًا: لماذا نحرص على أن نصدم الناس
بقرارات مختصرة؟ ماذا لو ترك القرار لكل منطقة لوحدها؟ فمثلًا أنا أعيش في
معسكر النصيرات، توقعي لو قررت الشرطة تحديد الشوارع الرئيسة التي يتضرر الناس
بإغلاقها لن تزيد عن خمسة شوارع.. وحينما تحدد سيكون القرار مقبولًا للناس.
والأجمل أن يحدد القرار بمشورة من وجهاء كل منطقة، وأن يتم تحديد
بدائل مجاورة لمن يقع بيته على الطرق الرئيسة.
ثالثًا: الحكم قائم على الأخذ والعطاء، الحكومة تقدم للمواطن حقوقه ثم
تطالبه بواجباته، والتقصير من أحد الجانبين لا يبرر دومًا التقصير للطرف الآخر...
لكن غزة تغرق بمشكلاتها: (الكهرباء- البطالة- تلوث البحر- رواتب موظفي غزة-
المعابر- الفقر-...) فالحكومة نظرًا للواقع السياسي الذي نعيشه ونعرفه غير قادرة
على خدمة المواطن بالصورة المطلوبة، هذا الواقع يتطلب من القائمين على حكم غزة أن
يتحركوا بحذر، وألا تستفزوا المواطن المسكين؟ فوزارة
الداخلية التي لا يتقاضى موظفوها رواتبهم كاملة منذ سنتين، يحسن بها أن تدير
الأمور بأقل قدر من الاشتباك مع المواطن.. وكلنا يعلم أن إدارة غزة اليوم ليست
إدارة تطوير بل هي مجرد تسيير أعمال.
رابعًا: كما نقول إن الحدود لا تطبق إلا في
ظلال دولة إسلامية ذات سيادة كاملة وإمكانيات كافية، كذلك ينطبق هذا الكلام على
القانون الذي يحكمنا... الشاب الفقير الذي يعاني الويلات قبل أن يتزوج،
الأصل في الحكومة أن تبحث له عن آليات لمساعدته، وليس للتضييق عليه... وهناك أشياء
كثيرة لا نستطيع أن نطبقها بغزة نظرًا لطبيعة غزة، فمثلًا: محلات الحدادين
والنجارين و... الأصل أن تكون بعيدة عن الناس، لكن غزة لا يوجد فيها منطقة صناعية،
فيتم وضع حلول للتقليل من أضرارها فقط... مكبرات الصوت في
المساجد تنادي كثيرًا من أجل المسيرات والمهرجانات و... ولا أحد يمنعها نظرًا
لاعتبارات نتفق أو نختلف عليها.
خامسًا: غزة تعيش أوضاعًا حزينة، إضافة للوضع الاقتصادي الصعب، فهناك
شهداء باستمرار وأرامل وأيتام، و.. لذلك فمن المهم أن ينتبه رجال المقاومة لصناعة
الفرح في غزة، حتى تستطيع أن تواصل وتستمر، فالحزن شيء قاتل يسحق الحياة.. هذا لا
يعني ألا يكون للفرح ضوابط.. (أرجوك: افهمني صح)
سادسًا: بالنسبة للتوقيت، لن أذكر القائمين على غزة بضرورة عدم صرف
الأنظار عن انتفاضة القدس، فلا أحب أن ننتهك النظام والقانون ثم نعلق على
الانتفاضة، لكن أن تخرج لنا انتفاضة الشاورما التي
أشعلتها وزارة الاقتصاد في غزة، وانتهت بزيارة اعتذار ورد اعتبار، وبعدها بيومين
هذا القرار، فمن حقي أن أتساءل: ما الذي يحدث؟ وكيف يفكر صانع القرار؟
سابعًا: من المهم أن يتم وضع محددات للحفلات وبيوت العزاء، فلا يليق
أن يصل صوت مكبرات الصوت إلى كل البلد، ولا يليق من أجل فرحك أو بيت عزائك أن تعيق
حركة السير، أو أن تبقى تطبل وتزمر طوال الليل، مؤذيًا المرضى والأطفال
والنائمين.. ماذا لو اجتمعت وزارة الداخلية مع الفرق
الفنية وأصحاب الاستيريو اجتماعًا تواصليًا شكرتهم وثمنت دورهم، وطمأنتهم على أنها
لن تأخذ أي قرار يقطع أرزاقهم، ثم شاورتهم في تحديد ساعة انتهاء، وتحديد ارتفاع
معين للصوت إن أمكن؟!
أختم – والكلام الذي بجعبتي كثير- فأقول: إن قصر القرار على الشوارع
الرئيسة مع إلباس القرار الزي الشعبي لن يرفضه غالبية أبناء الشعب، لكني أرجو من الداخلية
أن تنتبه جيدًا لآلية اتخاذ القرارات، وألا تضغط على المواطن المسحوق... وكم أتمنى
أن تصبح غزة نظيفة منظمة جميلة!!
هذا ما عندي، قدمته لإخواني وأبناء شعبي، ناصحًا ومحبًا، فإن أصبت فمن
الله وإن أخفقت فمن نفسي ومن الشيطان..
تعليقات
إرسال تعليق